الدكتور اسكندر نعمة- المدير الطبي لمستشفى القديس جاورجيوس
حين هبّ إعصار الإهمال المدمّر في 4 آب ليضيف إلى أوجاعنا وخيباتنا وخسائرنا وجعاً وخيبات وخسائر، دمّر الأشرفية قلب العاصمة بيروت، ومعها مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (مستشفى الروم) قلب الأشرفية، بنسبة 85 في المئة، وخسرنا 4 ممرضات وعدداً من العاملين والمرضى والزائرين، إلى مئات الجرحى في صفوف الاطباء والممرضات والعاملين، وترك جرحاً عميقاً في الروح لعل الأمل والعمل يخففان من ثقله ووجعه.
خسارتنا البشرية والمادية الفادحة لم تثننا عن النهوض السريع والمضي قدماً لنكون بخدمة المريض خصوصاً في زمن جائحة كوفيد التي تجتاح العالم، فرمّمنا بعضاً من الغرف والاقسام الخاصة بمرضانا من مختلف الاختصاصات، وأضفنا إليها أقساماً أخرى لعلاج مرضى كورونا، وأعدنا ترميم الطوارئ ووسّعنا الأماكن لتستوعب مرضانا، ولتصبح جاهزة لاستقبال من هم في حالات سيئة من جراء المرض، وبحاجة إلى الاوكسيجين وغيره من العلاجات.
نهضنا على الرغم من الألم الكبير، فإيماننا لا يترك مجالاً للانكسار، والأمل بغد واعد لا يسمح بالتراجع والانهزام. الخسائر كبيرة والوجع أكبر، ويعلو فوقها جميعاً ذلك الشعور القوي بالانتصار والتقدّم، وواجب عميق تجاه من رحلوا وهم يؤدّون واجبهم؛ بلسموا الكثير من الجراح، لعلنا بنهوضنا وتقدّمنا نبلسم جراح أهلهم وأحبتهم على غيابهم حين سقطوا شهداء الواجب. ألسنا نعيش في مدينة رائعة انبعثت مراراً وبقيت قِبلة الشرق؟ وهذا كان خيار القيّمين على مستشفى الروم: النهوض والمضي قدماً لنصنع لبنان يشبهنا. نزيف بلدنا اليوم هو في صميم اختصاصنا واهتمامنا؛ ومن قال إننا لسنا الأفضل في وقف النزيف ومعه نزيف الأوطان؟! الوطن لا ينزف إلا حين يخسر شبابه، وما نقوم به اليوم هو خلق فرص عمل في المستشفى لنثبّت جيل الشباب من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي في أرضهم. انكساراتنا أعطتنا المزيد من القوة، وأوجاعنا المزيد من الأمل، واهتمامنا بالشق الصحي والطبي هو لخدمة محيطنا وبلدنا، فنعيد من خلال عملنا وتفاؤلنا الاوكسيجينَ الناقص إلى رئتَي بلدٍ في العناية الفائقة.