ملحم خلف
*نقيب المحامين
الأمل هو ما نحتاج إليه اليوم. هذا يتطلّب منّا عملاً يومياً، وتحويله هدفاً نصبو إليه. هو منحى يجب التركيز عليه، لأنّه يحفّزنا على العيش، فلا شيء بلا رجاء. وترجمته تكون بتعالينا عن الصغائر والمصالح الضيّقة، مدركين أنّ مسؤوليةً جماعية تترتّب علينا ذات بُعد رسولي ووطني.
تستدعي الأمور اليوم منا مدّ اليد إلى الآخر، في محاولة للخروج من الحفرة التي تستوجب رمي البغض والحقد والعنف جانباً، والعودة إلى نقاط مشتركة نجتمع حولها ونؤسّس عليها. هذا أساس وجودنا وجوهر لبنان، ولا قيامة فعلية إلّا بالعيش معاً. والعيش معاً لا يقصي أو يستثني أحداً. صحيح أنّ ثمة صعوبات وعقبات أمام ذلك، ولكنها لن تُسقط أحلام شعب بأسره إذا كانت فعلاً مبنية على الرجاء الذي عمادُه الإيمان.
لا شيء بمقدوره أن يُسقط دور لبنان الرسالة أو إرادتنا بالعيش معاً، أو الخيارات التي أنجزناها في حياتنا. فلبنان ضرورة للعالم ولنفسه ومصلحته، وإلّا فإنّ البشرية ستسقط بالأحادية والإقصاء. كما أنّ الآخر هو شرط وجودي، وشرط وجود الآخر هو الأنا. وأيّ مصاب للآخر هو مصابي، والعكس صحيح أيضاً. انطلاقاً من ذلك، يجب أن نفهم إلى أيّ مدى نحن في تعاضد وتضامن وترابط عضويّ، لا يسمح لنا في أيّ وقت من الأوقات بأن يتخلّى بعضنا عن بعض برغم كلّ الصعوبات. ولا يقوم البنيان إلّا على صخرة التعاضد، وهو يحدث بالقناعة والفعل والإيمان والعمل. ونصل إليه بقدر ما نعمل من أجل ذلك، لا من خلال البقاء في المنزل والتنظير. علينا أن نعمل ونشبك أيدينا لنتمكّن من الوصول، وإلّا فلا يمكننا تخطّي هذه الصعوبات التي نعيش. وانزلاقنا أكثر إلى هذا الوضع هو انزلاق قاتل وانتحاري.
وشرط وجود الآخر ووجودي مبنيّ على أمور ثابتة؛ أوّلها التقدير والاحترام. وثانيها الإيجابية التي تجعلني أقول، مقتنعاً، أنا غير كامل، ولا أكتمل إلّا بالآخر. والآخر غير كامل، ولا أكتمل وإياه إلّا بآخر كذلك. وتالياً لا تكتمل البشرية إلّا بذاتها، لتصبح جميعها عند الخالق حيث تبلغ الكمال. وأمام هذا الإقرار بأنّي غير كامل، يجب أن أقبل باكتمال هذا الشرط بمقاربتي للآخر ومحبّتي له؛ فأكتمل بما ليس لديّ، ويكتمل من خلالي بما ليس لديه. يحتاج بعضنا إلى بعض لكي نكمل معاً كينونتنا، وإلّا فالخراب في منطق الإقصاء، ولا قبول به حتى لو كنت أنا القويّ. والقوّة لا تعني الاكتفاء بذاتي ولا بقوّتي، فلا إقصاء أو تمييز لأحد. علينا الذهاب كلّنا نحو إطار قبول الرأي والرأي الآخر. فالاختلاف غنى وكنز نريد أن نحافظ عليه، أما الخلاف فهو ويل. هكذا نبني وطننا على مسؤولية العيش معاً. وحلم العيش معاً ليس وليد اليوم، بل هو في صلب نشوء لبنان وكينونته، نموذجاً للعيش المشترك وواحة حريّات. وهو النموذج الذي يبحث العالم عنه.