النهار

تركتُ لبنان ولن أسامح
A+   A-
علي جابر- عميد كلية محمد بن راشد للإعلام في دبي


من بُعد، ومنذ زمن، وأنا أرى السقوط الحرّ نحو الحفرة المظلمة التي لا قعر لها. منذ زمن، وينتابني شعور مخيف بعدم القدرة على فعل شيء. شعورٌ باللامفرّ، بالرغبة في الاستسلام. منذ زمن وأنا لا أرى في بلدي غير الحضيض. منذ زمن وأنا خائف على لبنان من التفكّك والانحلال والزوال، حيث نصبح شعباً مشرّداً، ملاحَقاً، نازحاً ومهجّراً، كأنّنا لم نتعلّم ممن هم حوالنا في فلسطين وسوريا، وما كنّا به من حرب وقتل على الهوية. تركتُ لبنان، لم أسامح، ولن أسامح. لن أسامح الشعب والجيش والمقاومة والنواب والوزراء والرؤساء والموظفين. لن أسامح مَن حوّلوا أجمل بلد في العالم أرضاً قاحلة، يحكمونها بشريعة الغاب. لن أسامح اللئيم الذي طردني وطرد شباب شعبه إلى غربة بعضها قاسٍ وبارد وقاتل. لن أسامح مَن يقمع مَن بقى مِن أبنائنا، ومَن قتل طموحه ومستقبله في بلده. لن أسامح والغضب يبتلعني، وأنا بعيد، مَن أفقر الناس وفتح أبواب الجائحة لتخطف أحبّاءنا وشِيبنا. لن أسامح هؤلاء المعمّمين والكهنة الذين يكذبون ويحرّضون ويظلمون نساءنا. لن أسامح البندقية التي تحمي السارقين والفاسدين والمجرمين. لن أسامح الذي يحجب الدواء عن الضعيف ليطيل عمره وعمر أعوانه. لن أسامح مَن قتل خيرة رجالنا وحمى قتلتهم. لن أسامح الإعلام الذي شرّع الكذب ورفع الكاذبين. لن أسامح الجبناء المختبئين وراء جيوش من ذباب وبعوض الكتروني، وهم ينشرون سموم الحقد والكراهية. لن أسامح مَن سرق البحر والرمل والهواء والشجر. لن أسامح مَن سرق النور من عيون أطفالنا. لن أسامح مَن دمّر عاصمتنا بيروت... لكلّ هؤلاء، دعواتي اليومية بقصر العمر والذهاب إلى الجحيم. والله المستجيب.
 
لديّ أمل...
أمل كبير. أمل بما رأيتُ في تشرين. أمل بهذا الشباب المنتفض، الصادق، الجميل. أمل بهذا الصوت الذي صدح ضدّ الظلم كأغنية حبّ. أمل بمَن لم يخف من رصاص أو قنابل دخانية أو تحقيق. أمل بهذه الموجة الجارفة الرافضة للهوان. أمل بابتسامات الثوار. أمل بوعدٍ يلمع في عيونهم. أمل بكلّ ما وُلد من 17 تشرين، أجمل الأيام في أحلى الأشهر.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium