إليسا- فنانة
"لو لم يكن لبنان وطني، لاخترتُ لبنان وطناً لي".
ما السرّ العجيب الذي يختصر تعلّقنا بهذه القطعة من الأرض، التي تكاد لا تظهر على الخريطة أو في حسابات دول أخرى ممتدّة على مساحات هائلة؟ ما هذا التعلّق العجيب بكلّ حبّة تراب، بكلّ سهل، بكلّ جبل، بكلّ نظرة من أهل، بكلّ ذكرى عن غزل، بكلّ بارقة أمل؟
أسأل نفسي هذا السؤال باستمرار منذ أن تفتّحت عيناي في وطن يرقص الناس في شوارعه على قرع الطبول؛ يسهرون في الملاجئ، ويتأمّلون بالغد الأفضل وهم يمرّون بين أكياس التراب التي زرعتها كلّ دول وأيديولوجيات العالم على أرضه...
يأتيني الجواب كلّ مرّة بطريقة مختلفة. مرّة على شكل موالٍ عابر للجبال بصوت أحد كبارنا، ومرّة على شكل لوحات فنّية نكاد لا نرى مثيلاً لها في العالم، ومرّة على شكل إنجاز يحقّقه لبنان في آخر بقعة من الأرض، فيجعلنا نفتخر بأصل هذا البلد وتاريخه ونموذجه. في كلّ مرحلة من تاريخنا، تمكنّا من صناعة الأمل لنحبّ لبنان أكثر. في عزّ الحرب على قيام الدولة، كان جبران ونبيّه يخلقان عالماً أدبياً للبشرية جمعاء، وفي عزّ الحروب العالمية، كان حسن كامل الصبّاح يُضيء العالم بعِلمه، في عزّ الحروب الصغيرة في الخمسينات، كان الرحابنة يصنعون موسيقى للمنطقة بكاملها، وفي الحروب الكبيرة في السبعينات، كانت جورجينا رزق تُظهر للعالم الناحية الثانية للجمال الحقيقيّ في لبنان الانفتاح.
ليست المشكلة في ما نعانيه اليوم، بل في ما نحتاجه. عشنا الكثير من الأزمات، وسنعيش، يا للأسف، أزمات أكبر في منطقة فرضت علينا أن نكون بين قوى متصارعة على النفوذ. ما نحتاجه اليوم هو الأمل الذي تجسّد بنماذج عدّة، وأفكار وأشخاص. لستُ خائفة على لبنان، لأنّ الشر لم يقوَ في تاريخ البشرية على إرادة الشعوب والبشر. إنّ في هذا الوطن ما هو أكثر بكثير من مجرّد قطعة أرض. إنّ هذا الوطن هو شعب حوّل العالم جنّةً، ولم يتمكّن من صنع مجدٍ لذاته بعد. وفي كلّ مرّة نضعف، نتوجّه إلى أي ظالم، أو طاغية، أو متسلّط بشعر الكبير هنري زغيب وصوت الكبيرة ماجدة الرومي: "ونقسم سنبقى... لأنّنا وأرضنا والحقّ، أكثرية!".