النهار

تشظّي اللوحة بالأحمر الفاقع
المصدر: النهار
تشظّي اللوحة بالأحمر الفاقع
A+   A-
الدكتور بول زغيب
عميد كلية الهندسة والتصميم في جامعة الروح القدس- الكسليك


هو الذي يفهم ما تعنيه الحياة في فكر الفيلسوف هيل يحددها أوّلاً بالحبّ، ثم بمعنى حياة الروح من حياة الأخلاقيّة والسياسيّة للشعوب.
 
ومن هنا أهميّة الفنّ لمقاربة الحبّ بتاريخيّة العقل الموضوعي التي يدلّ على تراجيديّته أو مأساته. بعبارة أخرى، فإنّ وطن النجوم بلوحته العصريّة بطابعها البهجني يواجه اللغز الرئيسي في لحظاته اليوميّة: أي لغز الانفصال والارتباط بين لوحتي الروح المُطلق للغرائز في أشكالها المُتعدّدة والعمل الروحي للفنان.
 
فلبنان بتاريخه يطرح موضوعاً مُتفاعلاً عن مأساة متكرّرة عن إشكاليّة فنيّة للتغلّب على تشظّي عقله. فالسقوط يعني الانهيار وتشظّي لوحته باللّون الأحمر الفاقع، في لمحة تراجيديّة تساهم في سقوط الأبيض والأخضر. فتؤسّس هذه اللحظة المصيريّة المُنتظرة لمتعة جماليّة لاأخلاقية ولا يمكن إصلاحها والتغلّب على انفعاليّتها.
وهنا يتجاوز اللون الأحمر النازف في عروق اللوحة الشروط الفنيّة البحتة وينحرِف بذلك نحو النسيان للدلالة على عقم العقل والتخبّط الوجودي.
 
أمام هذا العمل الفنّي النازف من عروق الخلق، يشعر الإنسان بشعور غريب، غامض وغير منطقي. فإذا بوجوه "غاصبة" تخرج من حائط اللوحة، تُطلق صرخات أبديّة صادرة من المحنة العميقة للحالة الإنسانيّة. فيلفّ الضيق يد الفنان القلق على أرضه المتفرّجة وشعبه النازف. إنّه لا يرسم مأساة حبّه لشعبه وأرضه، بل يختبر على أنّها أرض مقدّسة متروكة لمصيرها، تغمرها معاناة لا توصف ولا يمكن أن تُحدّدها ألوان قوس قزح.
 
ومن هذه اللحظة، يختفي اللون الأحمر تماماً من اللوحة اليوميّة لمصلحة الألوان.
 
فيغيب الوطن مع نجومه، وتغيب شمسه ويختفي القمر من سهرات جيرانه، حيث يخلق نقص اللون جواً من الغياب والهروب حتّى الموت.

اقرأ في النهار Premium