حينما كسرت السيدة فيروز عزلتها وخرجت إلى محبّيها مزيّنةً بالوسام الأحمر، مبتسمةً في وجه ضيفها، ومشرِقة بعد غياب، اختزلت صورة بلد بأكمله، عانى الفقد طويلاً. أحسّ اللبنانيون أو جزء منهم، آنذاك، بأنّ ثمة شيئاً لا يزال يربطهم بوطنهم، ولو كان لقطة ثابتة مليئة بالحياة.
لم يستكِن جرح لبنان منذ سنوات عديدة. عميق وصعب الشفاء. تتوالى المصائب، فتتعاظم. لبناننا الغارق في أزماته، بات باباً مشرّعاً للرحيل. لكنّ الانتماء يبقى واحداً وأصيلاً، مهما كبُرت الويلات.
على امتداد الوطن من جنوبه إلى بقاعه وشماله، تتجلّى قدسية حُبّ الأرض. وكيفما دارت العين من قرية إلى أخرى، تشابه المشهد ولم يتبدّل. للأرض انتماء ثابت، متجذّر كجذع الزيتون، صلب، لا تهزمه العواصف ولا يشيخ.
غنّت فيروز يوماً للجنوب، ومنه إلى كلّ لبنان. غنّت للذهب في "أسوارة العروس"، ولعلّي إِخالُها قصدت بيروت، عروس الوطن وعاصمته الأبدية. الثوب هذا يا بيروت قد صُبِغ بالأحمر في آب، فتَركت ندوب الشهداء والجرحى آثاراً لا تُمحى. نسأل: كيف نُشفى والنزْف لمّا يجفّْ؟ كيف ننسى وثمة أمّ مفجوعة لم تنَم منذ تلك الليلة، ولم يبزغ فجر الحقيقة حتى الآن؟
نجهد اليوم للاحتفاء بأعيادنا والروح منهكة. باتت صباحاتنا ومساءاتنا متشابهة بين عزلة جدران فرضتها الجائحة. نبحث عن الحُبّ في عيون الناس، بعضها صامت وأخرى تروي قصص تضحية وعطاء. واليوم، قد يكون لبنان الأكثر حاجة لمنحه حبّنا الأعظم، في هذا العيد، لعلّه ينهض بنا إلى درجة من التماهي، ونحيا به نحو العُلا. للحُبّ يوم احتفائي واحد في العام، ولوطننا عمر بأكمله.