لي "رفيق" يطاردني منذ انفجار 4 آب، مزعج، بشع، لا أستطيع النوم بسببه، يشوّش عقلي دائماً، أحاول أن أغلبه، لكنه دائماً يغلبني. يُشعرني باللاأمان. كيف أستطيع هزيمته، إذ كلّ ما حولي يشجّعه ويغذّيه؟ أحاول إسكاته بابتسامتي، لكنه لا يرتدّ. هل تعلمون مَن هو هذا الرفيق المزعج؟ إنّه الخوف!
الخوف عند سماع صوت طيران. ومن الوقوف أمام النافذة. الخوف من الدخان المتصاعد. ومن صوت الرعد.
أنا شاب عشرينيّ، لا أريد أن أحارب. أريد الاستيقاظ في الجنوب وتناوُل الغداء في الجبل، ثم السهر في الشمال. ألا يحقّ لي؟ أريد وطناً يُشعرني أنّني إنسان. شاب. طامح. حالم. آمن. لا أريد وطناً يلفّ تابوتي بعلمه حين أموت. هذا حقّي. لكن أين نحن من حقوق الإنسان في بلده؟
الدمار الذي رأيناه في الشوارع والمنازل، في ذلك الثلثاء اللعين، ليس هو بشيء نسبة للدمار الذي تركه انفجار المرفأ في قلوبنا ونفوسنا وأيامنا المقبلة. نشأنا، كشباب، على أغنيات تُحاكي إعمار لبنان بعد دمّرته حروب الآخرين على أرضه: "راجع يتعمّر لبنان، قومي يا بيروت من تحت الردم..."، وغيرهما. عادةُ الشباب في سنّي، خارج لبنان، الاهتمام بأنفسهم وحياتهم ومستقبلهم، ثم شراء البيت وبناء عائلة، أما أنا كشاب لبناني، فبمَ أفكّر؟ لم يعد مسموحاً لي التفكير إلا في كيفية استطاعتي تأمين الدواء الشهريّ لأهلي، وأن أنام ليلةً كاملة من دون رعب الكوابيس ومَشاهد الانفجار من جديد.
أذكر رجلاً طاعناً في السنّ قد قال لي يوماً: "يا ابني، ما تعمل نفس غلطتنا، تناضل كرمال تبقى ببلدك، لأن رح تلاقي حالك عم تكبر وتختير متلي، وإنتَ بعدك عم تناضل. إذا لقيت حالك مخنوق وبلدك مش عاملك قيمة، فِلّ. لأن ما بحياتهم حكّامه رح يعرفوا قيمتك. برّات لبنان بيعرفوا قيمتنا أكتر". لم أفهم يومها المعنى العميق والمؤلم لهذا الكلام. أما اليوم فأقول: "انشالله ما كون اتأخّرت!"
النزيف الحاصل في لبنان سببه جهل حكامه. ولوقف النزيف، لا بدّ من القول لهم: "خذوا أموالكم وسرقاتكم وجرائمكم، وارحلوا عن هذا البلد".