أتجول في شوارعه ومعي دفتر، أكياس رمل مكدّسة ومتاريس، غير موجودة شكلاً ولكن حاضرة هاجساً، شبح القتل يخيّم بوقاحة كالموت الذي يرفض الموت،
لافتات مرتفعة في كل مكان، صدى لشعارات تتحدث عن شعب واحد ووطن واحد؛ أحزن، ألا يوجد شيء لأدوّنه في دفتري؟ أتقيأ الشعارات تلك وأمضي.
اللّعنة عليكم، نجحتم في تحويله إلى مزرعة، نصّبتم أنفسكم أسياداً وجعلتم منّا أولئك الفقراء العبيد البلا ظهر أو سند، حتى قيل عنّا "قطيع".
أضع يدي على قلبي، هل أبقى؟ إن قلت نعم، أضحك على نفسي. مصّوا دمه ونهشوا لحمه ولم يبق منّة إلا الجلد والعظم. الرضا بالظلم فيه أصبح طاعة، وحريّة القول وقاحة، وحريّة الفكر كفراً والبقاء فيه جنوناً.
هل أغادره؟ إن قلت نعم، تقتلني الحسرة. شيء ما فيه يشدّني بقوّة.
خانوا عهوده، هم بلا شرف، أمّا أنا لن أكون كذلك، فإن بحثتَ عنّي ستجدني، كم غنّت لك فيروز: "عندك بدّي إبقى ويغيبوا الغيّاب،
إتعذب وإشقى ويا محلى العذاب... وإذا إنت بتتركني يا أغلى الأحباب، الدنيا بترجع كذبة وتاج الأرض تراب".
لبنان، سأظل مرمياً على بابك، فتفضّل واقبل بي ولو "ضيفاً" يعزّ عليه الرحيل.