جمانة حدّاد- كاتبة، صحافية وناشطة حقوقية
هل ما زلتُ أحبّ لبنان؟
هذا السؤال المفخَّخ يضمر جوابه الأوّليّ المفخَّخ: لبنان ينزف هواءه الأخير. نعم. وبالتالي ليس من أمل. وبالتالي لا جدوى من علاقة حبّ يائسة كهذه. لكنّ السؤال يتحدّاني، أنا الشخص الذي أتلقّاه. إنّه يتحدّاني في وجودي الشخصيّ والعام، وفي فاعليتي، وفي طبيعة قلبي، وفي جدوى حياتي. ولكي لا أطيل، أو لكي لا أقع في التنظير والثرثرة، فأنا أقبل التحدّي، وأجيب بالآتي.
صحيح، ليس من أمل، في ظلّ الموازين والمعطيات القائمة. لا أمل في إسعاف لبنان بنقطة هواء، ولا بحشرجة واحدة، تحت حكم هذه الطبقة السياسية الجهنمية. طبّيًّا، لبنان ميتٌ سريريًّا. ويجب إعلان وفاته، والكفّ عن تعذيبه، وعن تعذيبنا نحن أهله. منطق الإرهاب السائد يقول لي: صدِّقي، وارضخي، وكفّي عن حبّه. لكنّي شخصيًّا، لا أريد أن أصدّق، ولا أريد أن أرضخ، ولا، خصوصاً، أن أكفّ عن الحبّ.
إلامَ أستند في كل هذا؟ أستند خصوصاً إلى روحي التي لا تتشرّف بالهزائم السهلة. وأستند أيضاً الى قلبي الذي يرفض الاستسلام. وبناءً عليه، أذهب في المواجهة إلى حدّها الأخير، فأقول: يجب اختراع الهواء، لكي لا تتسكّر رئتا لبنان فيموت اختناقًا. وإذا كان الهواء لا يُخترَع، فلنعطِ لبنان هواء رئاتنا، نحن المؤمنات والمؤمنين بلبنان – الضرورة.
عمليًّا: الأمل شخصيّ أوّلًا وأخيرًا. والحب شخصيّ أوّلًا وأخيرًا. ولن أتخلّى عن هذين الأمل والحب، وإنْ فقط بالعمل الفكريّ – المجتمعيّ – الإنسانويّ، من خلال تعميق ثقافة الحرّيّة، ثقافة دولة القانون والحقّ والديموقراطيّة، مدنيًّا وعلمانيًّا، ومهما طال الزمان.
هذا ما أفعله في حياتي، وفي أدبي، وفي نشاطي، وفي وجودي كامرأة حرّة. ولن يعتريني ملل، ولا يأس.
السبب؟ سببان؛ الأول لأنّي لا أريد أن أنتحر، ولا أن أهشل، ولا أن أيبس. الأثمان المعنوية والروحية التي دفعتُها حتى الآن لكوني لبنانية، أغلى بكثير من أن أترك كل شيء وأرحل.
السبب الثاني أنّ لبنان لا يستحقّ – لا هو ولا شبابه – أن يكونوا لقمة سائغة في أفواه هؤلاء الوحوش. يجب أن يختنق هؤلاء بلقمة لبنان، وهم يحاولون أن يمضغوه ويلتهموه.
مسألة الأمل بلبنان وحبّه هي مسألةُ تحدٍّ مزدوج، شخصيّ وعام. وهذا تحدٍّ متكامل، لا غنى فيه للواحد عن الآخر. ولن ينهزم هذا التحدي، وإن طال النزف، وطال الزمان.
...ورح ضلّ حبّو.