النهار

حكاياتي لن تبقى في الذاكرة... ستعود حقيقة
A+   A-
لي حكاية مع السياحة في لبنان، بل حكايات. 
 
من شوارع البترون القديمة التي اخترتها مكاناً للسير فيها أسبوعياً، حيث البيوت الأثرية تحاكي عصوراً تكتب تاريخنا، وشواطئ الناقورة الذهبية حيث نجتمع مع الرفاق في رحلة تستغرق ساعات. لي حكاية مع مدينة صور وأهلها الطيبين وذلك الفندق الجميل في "حارة المسيحيين". لي حكايات في شوارع صيدا القديمة أسير فيها خلال شهر رمضان المبارك، بين الخانات والمحال والباعة المتجولين. لي حكاية مع المحميات التي سرت فيها، غابة أرز تنورين، ومحمية جبل موسى وبنتاعل واليمونة وأرز الشوف وشاطئ صور وأرز جاج. لي حكاية في شوارع طرابلس القديمة، وخان الصابون والحدادين وسوق الذهب وكورنيش الميناء وأحيائها التراثية بحاناتها الشبابية. لي حكايات مع مطاعم لبنان وكرم الضيافة والاستقبال والطعم اللبناني الذي وصل للعالمية، وملاهي بيروت ومقاهي الروشة وجبيل. نعم، لي حكايات مع السياحة في لبنان جالساً على تلك الصخرة، مكرراً العبارة ذاتها، في كل مكان، في أي زاوية من بلادي: "في أحلى من هيك بلد؟!". 
لكل منا حكاية مع السياحة في لبنان، قبل الأزمة وحتى خلالها. أزمة "الجائحة" التي تعصف بالعالم، أبقتنا في بيوتنا، مجبرين، نبحث، بل نستعيد العيش مع ذواتنا وأسرنا ومجتمعنا الضيق.
 
ومتى انتهى هذا الكابوس، ستعود الحياة ولو بطريقة مختلفة. قد تعود لما كانت عليه في الأشهر ما قبل الجائحة، عندما اختار كل منا أن يجول في لبنان. السفر اشتدت شروطه وصعبت ظروفه.
 
قبل الجائحة، اخترت أن تكون حياتي بطعم مختلف، فاخترت التعرف أكثر إلى بلدي، إلى مناطقه، وإلى أهل القرى والأرياف، إلى شواطئ تجمع أبناء البلد، وأودية تحكي حكايات قديسين ونساك، وسهول طالما تعرّفت إليها أجيال في كتب التاريخ. 
 
نعم لي حكايات كثيرة مع السياحة في لبنان. حكايات حجزت في ذاكرتي مكانة جميلة لا تنسى، وأملاً بغد أفضل سيُحقق في بلدي، في لبنان. هي حكايات لأهل القطاع السياحي فضلٌ فيها. هي حكاية أراد القطاع ألا تطوى صفحتها الاخيرة، ولن تطوى في كتاب عنوانه "لبنان ما في أحلى من هيك بلد".
 
اليوم، يتلقى القطاع السياحي الضربة تلو الأخرى، بعد سنوات عجاف من الأزمات السياسية والأمنية والحروب والإشكالات والاعتصامات والتظاهرات وأعمال الشغب وتبعات الحظر العربي وإقفال الحدود والحرب السورية والأزمات المالية والاقتصادية والنقدية الطاحنة وصولاً الى انفجار مرفأ بيروت الذي ألحق أضراراً بنحو 2096 مؤسسة سياحية، مروراً بتبعات انتشار فيروس كورونا وإجراءات الإقفال العام.  
لكن هذا القطاع، بما تبقى له من "أوكسيجين" في غرف العناية الفائقة، مصمم أن يتنفس ويأبى أن يسقط، معوّلاً على النهوض من جديد. رغم كل الحملات، المقصود منها وغير المقصود، التي تستهدفه، من دون اتضاح الهدف، يستعدّ القطاع مرة جديدة للنهوض. وهو سيعود، ولو متعباً، منهكاً، مكسور الجناح، معطل المحركات، في دولة تنصلت منه، وتبرأت مما كان يوصف بـ"بيضة الذهب"، ليبقى القطاع يرسم صورة لبنان الحقيقية التي تشبهنا... نعم، ففي لبنان، من أراد ولا يزال، ضرب القطاع الذي وصلت مداخليه إلى أكثر من 80 مليار دولار خلال 15 سنة موفراً أكثر من 160 ألف فرصة عمل. 
سيعود القطاع، وستعود السياحة، وسيعود لبنان. 
  
 

اقرأ في النهار Premium