النهار

لأجل لبنان نستحقّه ويستحقّنا... رهان على انتفاضة شبابية جديدة
A+   A-
كل المآسي التي نعيشها لا تدفعنا إلى الإقرار بالهزيمة، ولا تأخذ منا هذا الاعتراف أمام طبقة سياسية فاسدة أخذت البلد إلى الانهيار. أن نقرّر بوعي أننا لن نسقط أمام هول الجرائم المرتكبة بحقّ اللبنانيين، وأمام جائحة القتل التي عصفت بكل البنيان الاجتماعي وهشّمت نسيجه واغتالت شبابه، يعني أنّنا نتمسّك بلبنان والحياة بكثير من العنفوان ونرفض إحالة الهزائم والانكفاء إلى اندحار يطول ويتمدّد، نتحوّل معه بغير إرادتنا إلى متلقّين للموت كأنّه لعنة كُتبت علينا. نتمسّك أكثر بلبنان عندما نجد نقاطاً مضيئة برغم كلّ هذا الظلام والتوحّش، حين يخرج من بين الأنقاض مَن هو مستعدّ للمساعدة، فيهبّ هؤلاء الشباب لإنقاذ الناس من انفجار أودى بالمدينة، ويقضي طبيبٌ لياليَ حالكة في مواجهة الوباء لعلاج المرضى، أو موظّف يواظب على عمله ولا يقبل الرشى، ومعلّم لا يزال يؤمن بتربية الأجيال، لا يكترث لأخطار، ولشباب نزلوا إلى الشارع للتغيير. هؤلاء لا يزال الكثير منهم في لبنان؛ سلّم قيمهم الأخلاق، يمنحوننا الأمل وهم مَن يجعلوننا نحبّ لبنان ونعمل لأن يكون بلداً نستحقّه ويستحقّنا.
 
لم ينتهِ كلّ شيء. الأمل يتجدّد دائماً، حتى في الكوارث التي لا تترك حجراً ولا بشراً كانفجار بيروت المروّع. هنا، بين الناس، مَن انكفأ وتراجع رفضاً لحروب أهلية مدمّرة، لكنهم لم ييأسوا أمام الضربات التي تحاول القضاء على الكيان. تدبير الحياة والتأقلم مع الواقع، لا يعنيان أنّ الناس الذين يؤمنون بالبلد وطناً نهائياً تاريخياً لكل اللبنانيين، قرّروا الانصياع لهذا الاستعصاء الذي يريد تأبيد البلد وأخذه إلى الفوضى والقتل. في لبنان، لا يزال مَن يؤمن بأنّ الدولة يمكن أن تستعيد مؤسّساتها ويكرّس أهلها الوفاق كخَيار لتنظيم الاختلاف، بعدما مررنا بمحطات تاريخية، بدءاً من انزياح كابوس الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000، وخروج سلطة الوصاية السورية عام 2005، استكمالاً للاستقلال والسيادة، فسقط شهداء أضاؤوا طريق المستقبل للبنان الديموقراطي المستقلّ. 
 
نؤمن بلبنان طالما أنّ هناك مَن يسعى إلى استعادة الحرّية في الحياة اللبنانية ويطمحون لنظام سياسي لا تحتكره طبقة سياسية فاسدة وقوى محاصصة طائفية، تنشر الخوف والبربرية، وتحجز طريق التطوّر الديموقراطي وتكرّس واقع الانسداد في بنية النظام وتهدّد بالحرب الاهلية وتسحق الناس أو تعيدهم إلى بيت الطاعة باستنفار الغرائز وإثارة العصبيات الطائفية والمذهبية. كيف لا نؤمن بلبنان ونحبّه ونراهن على عبوره المحنة، حين شهدنا لحظة 17 تشرين الأول 2019، لحظة الانتفاضة الناصعة التي كسرت الولاءات ومزّقت الصمت وحملت وعوداً كبرى لهذا اللبنان، كأنّنا في منعطف تاريخيّ سجّله شبان لبنان وشاباته ونسائه وتلامذته لعتق البلد وتحريره الناجز من براثن سلطة المحاصصة والطبقة التي ترعى قواها. هؤلاء تجاوزا الخوف وطالبوا بالعدالة، وهم برغم الهزيمة التي لحقت بنا وبهم، سيكررون هذه التجربة لا محالة، لإنقاذ لبنان ومنع انزلاقه إلى بلد يسعى القيمون عليه اليوم بالقوة إلى أن يكون نظامه هجيناً ومرتهناً دائماً للخارج. 
 
يمكن الجيل الجديد أن يعود إلى تلك اللحظة التاريخية. هذا هو الرهان. وطالما سنجد مَن سيرفع الصوت لتعرية الطبقة الحاكمة. ستصدح حناجر اللبنانيين مرّة جديدة، تماماً كما يقف الجيش الأبيض في الخطوط الأمامية اليوم في مواجهة الوباء وإنقاذ حياة اللبنانيين، يتحمّلون مسؤولياتهم، وعليهم تقع تبعات المواجهة المباشرة، عملاً مضنياً، وتعباً وتدهوراً في صحتهم ونفسيتهم. دائماً يمكن أن نستعيد النبض لننهض من جديد في هذا اللبنان الذي نحبّه ونحمله بالقبضات المرفوعة. ولن نقر بالهزيمة... 
 
Twitter: @ihaidar62

اقرأ في النهار Premium