لم يشهد لبنان في تاريخ نشأته تمزقاً لدى أبنائه بهذا الحجم المخيف بين بقايا أمل في إنقاذه وإنسانه من أسوأ مصير أصابه ويأس مطبق من القيامة. وأقول كشاهد من أبناء جيل انفجرت الحروب وقت كنا في أول عمر المراهقة والشباب أنّنا على رغم عقود الحروب وما تلاها من مآسٍ وأزمات لم نعش مرة حقبة يائسة كتلك التي تطبق الآن على اللبنانيين جراء الكوارث المخيفة المتدحرجة التي تضرب لبنان منذ أكثر من سنة ونصف سنة. والحال أنّ المخيف الحقيقي ليس مرور لبنان بهذا التراكم من الانهيارات والكوارث الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية فحسب، مقدار ما أمعنت وحفرت الأزمات في هذا الظرف الزمني من معالم دفع الإنسان اللبناني إلى يأس لم يقوَ عليه مرة بهذا المنسوب بما يعني تالياً إن دمار الأمل قد يكون أفدح الأثمان التي سيدفعها لبنان قبل كلّ التداعيات المادية والمعنوية الأخرى. هل تراهم اللبنانيون باتوا أهل عتمة وتقهقر وتخلوا عن تاريخ مديد مشرق من الشجاعة واجتراح البطولات في إعادة نفض اليأس والدمار النفسي والمعنوي؟ لن نسلم ما دام فينا نبض أن مجتمعاً حياً يختزن كلّ هذا التاريخ النضالي الشجاع والمؤمن بقدرة الإنسان اللبناني المتفوّق على آلامه والمتشبث بالحياة والتطوّر، والذي قدّم على امتداد تاريخ الحقبات نماذج مشعّة ومبهرة في الوطن كما في ديار الاغتراب يمكن أن ينهزم حتى أمام إفقاره وتجويعه ومرضه وقهره. هذا اللبناني لا يحتاج الىغ شهادة شجاعة من أي بلد أو شعب أو مجتمع. إنّه مفطور على الشجاعة مهما قست الظروف وسيقاوم ويقهر قاهريه مهما بلغت التضحيات. اللبنانيون بكل فئاتهم وطوائفهم ومناطقهم هم أهل وأبناء الإيمان بالقيامة بكل معاييرها ومفاهيمها الإنسانية والوطنية والروحية. اليأس لا يستوي طويلاً مع اللبنانيين، إنهم أهل الحياة ونفض القهر مهما تجبّر".