إلهام سعيد فريحه
عندما طلبتْ مني الابنةُ الحبيبةُ والزميلةُ نايلة التويني، إبنةُ الشهيدِ جبران التويني وحفيدةُ الكبيرِ غسان التويني، أن يحلَّ قلمي ضيفاً على صفحاتِ " النهار "، نزلتْ دمعةُ فرحٍ وحنينٍ من عينيَّ، قبلَ أن يسيلَ حبرُ قلمي وينسابَ على ورقِ "النهار".
***
عادَ بي الزمنُ إلى العملاقينِ، والدي سعيد فريحه، وبمثابةِ الأبِ غسان التويني،
العملاقُ سعيد بنى صرحاً إعلامياً، قلماً قلماً وكلمةً كلمةً، فشعَّتْ " انوارهُ " من الصيادِ الى الشبكةِ والمطبوعاتِ الشهريةِ الستِ المتخصِّصةِ،في أرجاءِ لبنانَ والعالمِ العربيِّ، حاملةً بينَ صفحاتها قضايا العربِ والعروبةِ، لاقتها ، أو هي لاقتْ "نهار غسان التويني"، فشكَّلَ العملاقانِ عمودينِ من أعمدةِ الصحافةِ اللبنانيةِ والعربيةِ .
***
سارَ على دربهما الشهيدُ الصديقُ والزميلُ جبران في "النهار"، كما قبلهُ شقيقايَ الكبيرانِ عصام وبسام ، الأغلى على قلبي وكلٌّ منهما تاجٌ على رأسي، وحاملةُ هذا القلمِ، المؤسستانِ تعاضدتا وتساندتا ،
وهنا لا أكشفَ سراً إذا قلتُ أن بسام حضَّرَ لجبران زيارةً إلى دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدةِ، وحملَ الشهيدُ جبران سرَّ هذهِ الزيارةِ، لأنهُ استُشهِدَ بعدَ فترةٍ ليستْ طويلةً من هذهِ الزيارةِ .
***
العزيزةُ نايلة تحملُ الأمانةَ بشغفٍ وصدقٍ وحرفيةٍ ، مع شيءٍ من الحزنِ الدفينِ على والدٍ شهيدٍ نزفَ دماً وحبراً ، وعلى جدٍّ افنى عمرهُ في التفتيشِ عن الفكرةِ اللماعةِ والكلمةِ البرَّاقةِ والمضمونُ الهادئِ والرصينِ،يعاونها فريقٌ من الأوفياءِ للمهنةِ وللنهارِ،
ويرعاها الأخُ والمُحِبُ والداهيةُ مروان حماده الذي كادَ أن يكونَ أولَ حبَّةٍ في عنقودِ الإرهابِ، فنجا بأعجوبةٍ وكرَّتْ سُبحةُ الإرهابِ التي بدأتْ مع الشهيد رفيق الحريري ووصلتْ إلى الشهيد جبران في مثلِ هذهِ الأيامِ .
حملتْ "النهار" جروحها والشهادةَ واستمرَّتْ، وجاءَ إنفجارُ الرابعِ من آب 2019 ليرسمَ على جدرانها وشمَ الإرهابِ، لكنها ، وكما كلِّ مرَّةٍ، نزعتْ عنها ثوبَ الإرهابِ وعادتْ بأبهى حلَلِها، ولكنْ بصعوبةٍ أكبرَ حيثُ لم تعدْ الصحافةُ مهنةَ البحثِ عن المتاعبِ فحسبْ،
بلْ فعلَ إيمانٍ يوميٍّ وساحةَ نضالٍ ومقاومةٍ لِما هو قائمٌ في لبنان .
***
لا أخفي أنني أشتاقُ إلى الكتابةِ في الصحافةِ الورقيةِ، احنُّ إلى رائحةِ الورقِ والحبرِ، لقد حُرِمتُ سحرَ فلفشةِ الصحيفةِ الورقيةِ ومتعتها ،كما التكنولوجيا والــ "اون لاين" جعلا مقالي اليوميِّ لا ينضبُ فيهِ الفكرُ ولا الحبرُ،
لكنني اعوِّضُ عن كلِّ ذلكَ بشقيقاتٍ وزميلاتٍ وفي طليعتها "النهار". أتمنى للنهارِ الثباتَ والصمودَ والمثابرةَ، ففي كلِّ صفحةٍ منها مرآةُ لصحافتنا الورقيةِ التي أتمنى من كلِّ قلبي ان تعودَ، بعد بؤسِ وإفلاسِ وإنهيار وطننا الحبيبِ، إلى ازدهارها،
كما أن تعودَ بيروتُ عاصمةَ الصحافةِ العربيةِ .