بعد سنوات من التجارب والأبحاث، ثمّة أخبار مفرحة، قد تغيّر نظرة البشر إلى المرض المؤلم المعروف بالألزهايمر، الذي يُفقد الإنسان أعظم ما لديه من معرفة وذاكرة ومنطق، إذ أظهر دواء اكتُشف حديثاً قدرته على إبطاء تدهور الدّماغ لدى المصابين بالألزهايمر، ممّا حدا بالبعض إلى وصف الإنجاز بالتاريخيّ.
بناءً عليه، من المفترض أن يُنهي هذا الاختراق العلميّ سنوات من الفشل الميدانيّ، وأن يُظهر أنّ مرحلة جديدة من التعاطي مع المرض الفتّاك ذهنيّاً بدأت تلوح في الأفق.
وكانت دراسة جديدة أظهرت كيف يُبطئ عقار تجريبي يُسمّى Lecanemab التدهور العقليّ للمصابين في المرحلة الأولى، ممّا يحول دون استفادة الحالات المتقدّمة من الإنجاز، وفق ما نشر موقع BBC.
ويعمل الدواء على مهاجمة بيتا الأميلويد التي تتراكم في أدمغة الأشخاص المصابين بالألزهايمر. وفي ظلّ الخيبات المتتالية في عالم الأبحاث والطب، يرى البعض أن نتائج هذه التجربة السريرية قد تكون نقطة تحوّل في هذ المجال، حيث أشاد العلماء بالاكتشاف باعتباره علامة فارقة في المعركة المستمرّة للتغلّب على المرض.
وقد رأت جمعية الألزهايمر بعد اطّلاعها على نتائج الدراسة أن "النتائج في غاية الأهمية وتُعطي أملاً".
هذا العلاج يمتلك القدرة على تغيير مسار المرض بطريقة ذات مغزى سريرياً، إذ وصف البروفيسور الأميركي السير جون هاردي، كبير علماء الوراثة، هذه اللحظة "بالتاريخية"، وقال "أنا متحمّس حقاً للعمل الذي سيتمّ تقديمه، لأننا رأينا بيانات صحافيّة، وهذا أمر يثير حرصنا أكثر. أنا متفائل لأننا سنشهد على حقبة جديدة من العلاجات لمرضى الألزهايمر".
ورأت البروفيسورة تارا سبيرز جونز أن "نتائج هذه الدراسة واعدة ومبشّرة، لأننا واجهنا الفشل لفترة طويلة في هذا الموضوع".
في الوقت الحاضر، يتناول مرضى الألزهايمر أدوية تساعد على إدارة العوارض، ولكن لا يوجد دواء يغيّر مسار المرض.
ماذا عن دواء Lecanemab؟
هو كناية عن جسم مضادّ شبيه بالأجسام المضادّة التي ينتجها الجسم لمكافحة الفيروسات والبكتيريا، وقد تمّ تصميمه لإطلاع الجهاز المناعيّ على إزالة الأميلويد من الدماغ. ويتجمّع الأميلويد، وهو بروتين، في الفراغات بين الخلايا العصبية في الدماغ، فيُشكّل لويحات خاصّة تُعدّ من السمات الأساسيّة لهذا المرض.
شملت الدراسة نحو 1795 متطوعاً هم في المراحل الأولى من مرض الألزهايمر، وقد تلقّوا جرعة من دواء Lecanemab كلّ أسبوعين.
هذه النتائج التي عرضت في مؤتمر التجارب السريرية حول مرض الألزهايمر في سان فرنسيسكو، ونُشرت في مجلة the New England Journal of Medicine ليست علاجاً سحرياً. فقد استمر المرض في سلب المصابين قدراتهم الفكرية، إلا أنه نجح في إبطاء تدهور الدماغ، وقلّل من معدّل التراجع المعرفيّ بنسبة 27 في المئة، بعد 18 شهراً من العلاج.
شارك دايفيد عصام (78 عاماً) من الولايات المتحدة في هذه التجربة السريرية. وقد حتمّ عليه مرض الألزهايمر التخلّي عن عمله كنجّار، بعدما تعذر عليه تذكّر كيفيّة بناء خزانة أو استخدام أدواته. تتحدّث زوجته شيريل قائلة "لم يعد الشخص الذي أعرفه. هو بحاجة إلى المساعدة في معظم الأشياء، وذاكرته شبه معدومة. ولكن هذه التجربة أعطتنا الأمل"، في حين يؤكد دايفيد أنّه "إذا كان أحدهم قادراً على إيقاف المرض أو حتى إبطائه فهذا سيكون رائعاً".
هناك نحو 55 مليون شخص في العالم مثل دايفيد يعانون من مرض الألزهايمر، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد الـ139 مليون في العام 2050.
في المقابل، شكّلت الآثار الجانبية لهذا الدواء جدلاً، وأظهرت مخاطر، أحدها النزيف الدماغيّ بنسبة 17 في المئة عند المشاركين، ثم تورّم الدماغ بمعدل 13 في المئة، بالإضافة إلى نحو 7 في المئة من المشاركين اضطروا إلى التوقّف عن تناول الدواء بسبب الآثار الجانبية.
والسؤال الأهمّ كان ماذا سيحدث بعد مرور 18 شهراً؟ ما زالت الإجابات مجرد تكهنات لا أكثر.
وفي الخلاصة، هذه النتائج تشير إلى أن هذا الدواء قد يمنح الأشخاص مزيداً من الوقت أو القدرة شبه الكاملة على المشاركة في الحياة اليومية، والبقاء مستقلّين، واتخاذ قرارات الرعاية الصحيّة في المستقبل.
سنكون أمام نوع جديد من العلاجات في المستقبل القريب كفيلة بالمساعدة على إدارة المرض بشكل أفضل.