تكشف الأبحاث العلميّة يوميّاً عن أبرز العوامل والمسبّبات المؤثّرة في الإصابة بالسرطان، قد تلعب العوامل الجينيّة والتاريخ العائليّ دوراً في زيادة مخاطر الإصابة من دون القدرة على التحكّم بها، لكن ما هو أكيد أيضاً تأثير بعض العوامل التي يمكن التحكّم بها وتعديلها، والتي تساعد على الوقاية من المرض.
يُشكّل السرطان السبب الرئيسيّ الثاني للوفاة في العالم بعد أمراض القلب والأوعية الدمويّة، ويُعدّ سرطان عنق الرحم السرطان الرابع الأكثر شيوعاً بين النساء في العالم.
في العام 2020 تمّ تشخيص أكثر من 19 مليون حالة إصابة جديدة بالسرطان، ووفاة نحو 10 ملايين شخص. وفي حلول سنة 2040، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد سنويًا إلى نحو 30 مليون حالة سرطان جديدة و16 مليون حالة وفاة، وذلك وفقًا لتقديرات مرصد السرطان العالميّ (Global Cancer Observatory).
في حين قُدّر وفق منظمة الصحّة العالمية عدد حالات سرطان عنق الرحم الجديدة بنحو 604 آلاف حالة في العام 2020، أدّت إلى وفاة 342 ألفًا في العام نفسه.
يوضح الاختصاصيّ في الجراحة النسائية والتوليد، ورئيس مجموعة صحّة المرأة العربية الدكتور فيصل القاق لـ"النهار" أنّ سرطان عنق الرحم يودي بحياة ما يناهز الـ 320 ألف امرأة سنوياً، أغلبهنّ في دول العالم الثالث، وبينهنّ نحو 90 ألف امرأة في شرق المتوسّط. تدلّ هذه الأرقام على فجوات الأنظمة الصحّية والرعاية الأوليّة في هذه البلدان، خصوصاً أنّه يمكننا الوقاية من الإصابة بسرطان عنق الرحم جرّاء القيام بتقصٍّ روتينيّ كلّ 3 إلى 5 سنوات.
ويختلف سرطان عنق الرحم عن سرطان الثدي لأنّ أسبابه معروفة وهي ناتجة عن الإصابة بفيروس الورم الحليمي بطيء التطوّر، وهذا ما يجعله مختلفاً عن مسار سرطان الثدي الذي تتعدّد أسبابه وخطورته البالغة على النساء.
نفتقر في لبنان إلى إحصاءات دقيقة لعدد الإصابات الفعليّ في سرطان عنق الرقم، ومع ذلك وفق القاق تشير التقارير إلى إصابة حوالى 124 امرأة سنوياً بهذا المرض، وقد يصل الرقم إلى 250 إصابة. ولكن تشير المعطيات والدراسات إلى احتمال ارتفاع حالات سرطان عنق الرحم وما قبل السرطان نظراً إلى انقطاع المتابعة والفحص الروتينيّ جرّاء جائحة كورونا، كما وأنّ انحدار التلقيح ضدّ سرطان عنق الرحم (HPV) ساهم في احتمال ارتفاع معدّلات الإصابة والوفاة.
ويشرح القاق عن السبب الرئيسي للإصابة بسرطان عنق الرحم والذي يعود إلى الإصابة بفيروس الورم الحليمي (HPV) الناتج من التواصل الجنسي غير المحميّ. بالإضافة إلى الأسباب المرتبطة بها وأهمها:
* العلاقات الجنسية المبكرة وغير المحمية وتعدّد الشركاء.
* التدخين.
* استخدام حبوب منع الحمل لفترة طويلة.
* نقص المناعة.
* الحمل المبكر (زواج المراهقة).
ورغم هذه الأسباب المؤثرة إلّا أنّ الوقاية ممكنة وفعّالة من الإصابة بسرطان عنق الرحم، وتعتمد على السلوك المتعلّق بالجنس الآمن، التقصّي الدوريّ عن طريق فحص القزازة (المسحة المهبليّة) وفحص الـHPV، والأهمّ المنع الأوّليّ عن طريق تلقّي اللقاح بدءًا من عمر الـ11 عام (جرعتان قبل سنّ الـ15 وثلاث جرعات بعد الـ15 لفترة 6 أشهر).
وعن العوارض التي تشير إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم، فيُلخّص القاق أهمها:
- نزيف متقطّع خارج الدورة الشهريّة.
- نزيف بعد مرحلة سنّ الأمان.
- إفرازات غزيرة غير طبيعيّة.
- نزف مهبليّ بعد المجامعة.
- ألم في الحوض.
- تعب.
إلّا أنّ الإصابة لا تعني خسارة الحياة، وهذا ما يُشدّد عليه القاق في حديثه، خصوصاً في ظلّ العلاجات المتعدّدة والحديثة الكفيلة في زيادة نسبة الشفاء. وتختلف العلاجات بين البسيطة والموضعيّة مثل كوي وتقشير أو اجتزاء عنق الرحم، مروراً باستئصال الرحم ومتابعته بعلاجات إضافية كالعلاج بالأشعّة وغيره. ويعتمد نوع العلاج على مرحلة الإصابة عند المرأة ودرجته ومستوى انتشار السرطان.
ولكن من المهمّ التشديد على أنّ هذا المرض قابل للمنع، وليس على أيّ امرأة أن تخسر حياتها بسبب سرطان عنق الرحم. كما أنّ اللقاح آمن وفعّال جدّاً في منع حدوث سرطان عنق الرحم الذي تتسبّب به HPV في مجمل الحالات.