منذ يومين أعلنت وزارة الصحة في ولاية #نيويورك رصد حالة إصابة بـ#شلل الأطفال، لتكون أول إضابة معروفة بالمرض في البلاد منذ 10 أعوام على الأقل.
وحسب المسؤولون من الولاية "يبدو أن الشخص مصاب بسلالة فيروس مشتقة من اللقاح، ربما من شخص حصل على اللقاح الحيّ المتاح في عدة دول أخرى".
وبعد اعلان القضاء على شلل الأطفال في الولايات المتحدة في العام 1979 وعدم تفشّيه بشكل روتيني في البلاد، عادت اليوم حالة شلل الأطفال لتثير قلق المعنيين، خصوصاً أن الحالة التي رصدت شديدة العدوى. هل هذه العودة تُشكّل مصدر قلق؟ ماذا يعني عودة هذا الفيروس والعدوى من شخص تلقّى اللقاح؟
يشرح رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية الاختصاصي في طبّ الأطفال البرفيسور غسان دبيبو لـ"النهار" أنّ هذه الحالة المرصودة مثيرة للقلق لأنها ليست الأولى من نوعها وقد سُجّلت حالة سابقاً في فلسطين المحتلة لشخص لم يتلقَّ لقاح الشلل وقد أصيب بفيروس لقاح الشلل.
وفي الحالتين الفيروس الذي أُصيبا به هو فيروس معدّل يُستخدم في لقاح الشلل الفموي. وبرغم من أن هذا اللقاح يؤمّن مناعة للأطفال إلّا أنه فيروس حيّ، وبالتالي إذا كان عند الشخص ضعف في المناعة يمكن أن يتكاثر الفيروس في الجسم لفترة طويلة ويؤدي ذلك إلى ارتداد الفيروس عليه حيث يصبح شبيهاً بالفيروس الطبيعي لشلل الأطفال قبل تعديله."
وهذا ما جرى مع الشخص المصاب في أميركا فتبين أنه لم يتلقّ لقاحات الشلل، بغضّ النظر عن أسباب الامتناع، فبعد تعرّضه للفيروس أُصيب بمرض الشلل الناتج من فيروس اللقاح. وقد تُعيد هذه الحالة أهمية التذكير والتشديد على تلقيح الأطفال باللقاحات اللازمة وفي الوقت المطلوب وعدم التأخير.
ويشير دبيبو إلى أنّ "في لبنان نظامين من اللقاحات، نظام في القطاع العام وآخر في القطاع الخاص. وفي القطاع العام نعطي عادة الجرعة الأولى من لقاح الشلل ويكون لقاحاً ميتاً يُعطى عبر الحقنة في عمر الشهرين، في حين تكون الجرعات الأخرى من خلال اللقاح الفموي ويعود السبب لاتّباع الوزارة هذه الآلية لمنع أيّ حالات مصابة بالشلل بسبب اللقاح الفموي عند الأطفال الذين يتلقّون هذا اللقاح.
لذلك تكون الجرعة الأولى من اللقاح الميت للفيروس عبر الحقنة كفيلة في منع الإصابة بالشلل، ويصبح اللقاح الفموي من خلال الجرعات الأربع الأخرى آمناً بدرجة كبيرة. ولكن في حال كان أحد الأطفال يعاني من مناعة ضعيفة وتلقّى اللقاح الفموي للشلل وتكاثر الفيروس في جسمه لفترة طويلة، يمكن أن ينقل العدوى لغيره وخصوصاً لأطفال غير ملقّحين، وقد يُسبّب له في حالة نادرة الشلل كما حصل مع الحالة في نيويورك.
أمّا في القطاع الخاص، لا يُستخدم اللقاح الفموي، ومعظم الأطباء يلجأؤن إلى لقاح الشلل الذي يعطى من خلال الحقنة، الأمر الذي لا يُشكّل أيّ خطر على الأطفال. ولكنّ ميزة اللقاح الفموي أنّه يؤمّن مناعة أقوى في غشاء الجهاز الهضمي خصوصاً أن هذا الفيروس ينتشر عن طريق الفم والجهاز الهضمي، بينما لا يؤمّن لقاح الشلل من خلال الحقنة هذه المناعة. كما أنّه لتأمين الحماية الكافية يجب تلقيح كلّ الأطفال في القطاع الخاص والعام وأن يكون معدّل التلقيح أكثر من 95 في المئة".
وعن حالة نيويورك، في أغلب الظنّ أنّ الشخص كان خارج أميركا وقد أصيب بالفيروس في دولة ما زالت تستخدم لقاح الشلل الفمويّ، أو من شخص تلقح اللقاح في الخارج وجاء إلى أميركا ونقل العدوى. وفي الحالتين تكون العدوى من شخص تلقى اللقاح الفموي. وعادة تكون هذه الحالات محدودة بحيث لا نرى وباء أو انتشار للحالات إلّا في حال وجود مجموعة كبيرة من الأشخاص غير الملقّحين.
وللأسف وفق ما قال دبيبو أنّ "هذا هو وضعنا في لبنان، فهناك عدد كبير من الأطفال بين الـ 15-20 في المئة لا يتلقّون لقاحاتهم كما يجب، ما يثير مخاوف من انتشار الفيروس في حال وصوله إلى لبنان. ويعود السبب إلى عوامل عدة منها عدم القدرة على الوصول إلى مراكز الرعاية، انقطاع الكهرباء، الكلفة وعدم القدرة المادية، الفقر والجهل والاستهتار، وكلّها أسباب تحرم الأطفال من عدم تلقّيهم اللقاحات اللازمة في الوقت المطلوب."
ويتحدّث دبيبو عن ظهور حالات فردية بين الحين والآخر في مختلف الدول، وقد أثارت الحالة في نيويورك اهتماماً وضجّة أكبر بسبب اختفاء الفيروس في أميركا لأكثر من عشر سنوات. ولكن يبقى الأمل في عدم انتشار هذه الحالات في مجتمعات التي لديها مستويات تلقيح متدنية"