في مرحلة تحفل بالتحديات السياسية والديبلوماسية، ويشتد شدّ الحبال إقليمياً ودولياً على عدّة محاور، ووسط التحولات في المنطقة والعالم، ينعقد اجتماع الوزراء العرب في بيروت، حاملاً في الشكل والمضمون التزام هذه الدول بلبنان، لكن في المقابل، يزيد من عبء الدولة اللبنانية لجهة رد هذا الالتزام بالمِثل، فلا تسمح لأيّ كان، مهما علا شأنه، بالتدخل بالشؤون الداخلية لهذه الدول، وتصون العلاقة مع العرب ودول الخليج، وتعيد الاعتبار للشرعيتين العربية والدولية وترسيخ سياسة النأي بالنفس، ومنع الإساءة إلى الدول العربية أو تهديد أمنها واستقرارها، إن عبر تصدير الخلايا الإرهابية أو شحنات الكبتاغون، والمحافظة على المسار الجيد للعلاقات الديبلوماسية.
وطغى "المشهد العربي" في بيروت اليوم على المشهد السياسي الداخلي من خلال استضافة لبنان للاجتماع الدوري لوزراء الخارجية العرب ومندوبيهم في فندق الحبتور.
وعقب اللقاء التشاوريّ، أكّد وزير الخارجيّة والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب أنّ "النقاشات خلال الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب كانت بنّاءة"، وأنّ المجتمعون تطرّقوا إلى موضوع دعم الدولة ومؤسّساته، مشيراً إلى "إيجابية من الأخوة العرب لعودة لبنان إلى عافيته".
وذكر بوحبيب أنّ "الاجتماع حمل تأكيد على تطبيق اتفاق الطائف مروراً باتفاق الدوحة، وصولاً إلى المبادرة الكويتية والاتّفاق العربيّ".
وفي مؤتمر صحافيّ، شدّد الأمين العام لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط على أنّ "الحضور إلى لبنان في هذا التوقيت يمثّل رسالة دعم من الدول العربية لاستقرار لبنان ومفاوضاته مع صندوق النقد"، وأكّد أنّ "الجامعة العربيّة تدعمه معنوياً لأنّها لا تستطيع تقديم الغاز أو الكهرباء".
وفي ملفّ النزوح السوريّ، وبينما شدّد بوحبيب على أنّ "الحكومة لن تقبل بوضع مخيمات للنازحين على الحدود مع سوريا"، أكّد أبو الغيط أنّ "الجميع يؤيّد لبنان في مسألة إنهاء ضغط اللاجئين على أرضه، والنيّة والقرار موجودان لكنّ إرادة المجتمع الدوليّ لإنهاء الحرب لا تزال ضاغطة على الوضع السوري واللبنانيّ".
أمّا في ملفّ ترسيم الحدود، فقد أكّد أبو الغيط دعم جامعة الدول العربيّة الكامل للدولة اللبنانيّة "قانونيّاً ومعنويّاً".
وعمّا إذا حصل المجتمعون على تعهّدات من لبنان بشأن علاقاته مع الدول العربيّة، أشار الأمين العام إلى أنّ "الجميع يقول إنّ المصالحة في طريقها، وإنّ هناك رضى خليجي على لبنان"، مشيراً إلى "وجود وزيرَين خليجيَّين في الاجتماع وأربعة مندوبين، ممّا يعكس رغبة لدى الدول التي كانت قد استُثيرت إلى رأب الصدع وإقامة علاقة طيّبة".
الصور بعدسة الزميلين نبيل إسماعيل وحسام شبارو:
ووصل وفد من المشاركين في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب إلى قصر بعبدا، تمهيداً لحضور الاجتماع، حيث بدأوا اجتماعهم مع رئيس الجمهورية #ميشال عون.
واكد رئيس الجمهورية أمامهم على أهمية العلاقات العربية-العربية لا سيما في هذا الظرف الدقيق الذي يجتازه العالم العربي وما يواجهه من تحديات تستوجب اقصى درجات التشاور والتعاون المشترك، معتبرا "ان التعاون والتضامن بين الدول العربية الشقيقة امر مهم في ظل ما تشهد دولنا من أزمات وضغوط وتحولات."
وشدد الرئيس عون على "ان لبنان الذي يعاني من سلسلة أزمات متراكمة، يعاني ايضا من أعباء يتحملها من جراء الاعداد الكبرى للاجئين والنازحين على ارضه، وهو لم يعد قادرا على تحمل هذا الواقع، وموقف المجتمع الدولي لا يشجع على إيجاد حلول سريعة"، آملا من وزراء الخارجية العرب "المساعدة لمواجهة هذه التحديات"، ومؤكدا "ان لبنان وعلى الرغم من ظروفه الراهنة الصعبة، مصمم على مواجهة التحديات وإيجاد الحلول للخروج من ازماته."
وتابع: "اني اشكر الدول العربية الشقيقة على دعمها للبنان في الظروف الصعبة التي يواجهها، واعبر عن تقديري لدور الأمين العام على جهوده لايجاد الحلول للازمات والتحديات التي تواجه الدول الشقيقة.
وقال: "تجتمعون اليوم في بيروت للتشاور في القضايا ذات الشأن العربي وما اكثرها، وتعملون على تعزيز العمل العربي المشترك. ونتمنى لكم التوفيق في جهودكم كما نرحب بكم في بلدكم الثاني لبنان. ان التعاون والتضامن بين الدول العربية الشقيقة امر مهم في ظل ما تشهد دولنا من أزمات وضغوط وتحولات. والقضية الفلسطينية هي طبعا في مقدمة الاهتمامات، وأيضا معاناة بعض الدول العربية وشعوبها من الحروب، بأوجه مختلفة."
اضاف: "لقد أجرينا انتخابات نيابية في شهر أيار المنصرم وشاركت بعثة من الجامعة العربية بمراقبتها، ونحن بصدد تشكيل حكومة جديدة، ونسعى للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان. وهناك وساطة أميركية لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان. ولبنان يتمسك بثرواته المائية والنفطية والغازية."
وختم بالقول: "اجدد الترحيب بكم وأتمنى لكم النجاح في اجتماعاتكم ومداولاتكم، وأتمنى للجزائر التوفيق في تنظيم القمة العربية في الأول والثاني من تشرين الثاني. وسأتابعها كمواطن لبناني، لأن ولايتي تنتهي في 31 تشرين المقبل. وأتمنى النجاح لدولة قطر في تنظيم فاعليات كأس العالم في كرة القدم. وأغتنم المناسبة لشكر قادة الدول العربية الشقيقة الذين تعاونوا معي طوال السنوات الست الماضية، وكانوا الى جانبنا ولبوا مرارا نداءاتي لدعم شقيقهم الأصغر لبنان."
أبو الغيط
وبعد اللّقاء، اعتبر أبو الغيط "ان انعقاد مثل هذا اللقاء في بيروت، وتحديدا في هذا الوقت بالذات له معنى هام، ومغزاه ان الدول العربية تقف الى جانب لبنان، وقيادته السياسية وشعبه، مع الامل ان يتجاوز هذا البلد الجميل وتاريخه المديد، المشاكل الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها."
أضاف: "من هنا، فإن لقاءنا في بيروت يعكس الثقة باستقرار لبنان ومستقبله."
وتابع: "ان هذا الاجتماع التشاوري هو الثالث، ويعقد بالتراضي والتوافق بين كافة الدول العربية. والدور كان على لبنان في استضافته، والوزراء رحبوا بالحضور وبتأييدهم للشعب اللبناني والحكومة اللبنانية والرئاسة اللبنانية. وقد استمعنا الى كلمة رقيقة شرح فيها فخامة الرئيس عون موقفه، وعرض للوضع اللبناني وللظروف اللبنانية كما وللحاجة الى الدعم العربي للبنان. ومن جانبنا، كجامعة عربية، فإننا نقف خلف الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية والشعب اللبناني، ونتمنى للبنان كل الخير والتوفيق."
الوفد العربي
وضم الوفد العربي السادة: أمين عام جامعة الدول العربية الدكتور أحمد أبو الغيط، والسفير عبد الرحمن الصلح.
وعن الأردن: نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين في المملكة الأردنية الهاشمية أيمن الصفدي، وسفير المملكة الأردنية الهاشمية لدى لبنان وليد عبد الرحمن جفال الحديد.
وعن الامارات: المندوب الدائم لدولة الامارات العربية المتحدة لدى جامعة الدول العربية السفيرة مريم خليفة الكعبي.
وعن البحرين: سفير مملكة البحرين في سوريا وحيد مبارك سيار.
وعن تونس: وزير الشؤون الخارجية والهجرة التونسيين بالخارج عثمان الجرندي، وسفير الجمهورية التونسية لدى لبنان السفير بوراوي الامام.
وعن الجزائر: وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج في الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية رمطان لعمامرة، وسفير الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية لدى لبنان عبد الكريم ركايبي.
وعن جزر القمر: وزير الدولة المكلف بالتعاون مع العالم العربي في جمهورية جزر القمر قاسم لطفي.
وعن جيبوتي: المندوب الدائم لجمهورية جيبوتي لدى جامعة الدول العربية السفير احمد علي بري.
وعن المملكة العربية السعودية: المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى جامعة الدول العربية السفير عبد الرحمن الجمعة.
وعن السودان: وزير الخارجية السوداني المكلف علي صادق، والقائم بالاعمال في سفارة جمهورية السودان في لبنان سارة ادريس حسن أحمد.
وعن الصومال: وزير الخارجية في جمهورية الصومال الفدرالية بلل محمد عثمان، والقائم بالاعمال في سفارة جمهورية الصومال الفدرالية لدى لبنان فرحان جرجن.
وعن العراق: المندوب الدائم للعراق لدى جامعة الدول العربية السفير احمد الدليمي، وسفير العراق لدى لبنان حيدر شياع البراك.
وعن سلطنة عمان: المندوب الدائم لسلطنة عمان لدى جامعة الدول العربية السفير عبدالله بن ناصر الرحبي، وسفير سلطنة عمان لدى لبنان بدر بن محمد بن بدر المنذري.
وعن فلسطين: وزير الخارجية والمغتربين في دولة فلسطين الدكتور رياض المالكي، وسفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور.
وعن قطر: نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وسفير دولة قطر لدى لبنان السفير إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي.
وعن الكويت: وزير الخارجية في دولة الكويت الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح، وسفير دولة الكويت لدى لبنان السفير عبد العال القناعي.
وعن ليبيا: المندوب الدائم لدولة ليبيا لدى جامعة الدول العربية السفير عبد المطلب ادريس ثابت.
وعن المغرب: مندوب المملكة المغربية السفير احمد التازي، وسفير المملكة المغربية لدى لبنان السفير محمد إكريم.
وعن مصر: نائب وزير الخارجية للشؤون الجغرافية في جمهورية مصر العربية السفير حمدي سند لوزة، وسفير جمهورية مصر العربية لدى لبنان محمد ياسر علوي.
وعن موريتانيا: المكلف بمهمة في ديوان وزير الخارجية والتعاون الموريتانيين في الخارج السفير حسني فقيه.
وعن اليمن: وزير الخارجية وشؤون المغتربين في الجمهورية اليمنية الدكتور احمد عوض بن مبارك، وسفير جمهورية اليمن لدى لبنان عبدالله عبد الكريم دعيس.
وحضر عن الجانب اللبناني: وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بو حبيب، والوزير السابق سليم جريصاتي، ومدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير والمستشارون: العميد بولس مطر، ورفيق شلالا وانطوان قسطنطين واسامة خشاب.
مؤتمر ختامي
ومن المقرر أن يعقد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، مؤتمراً صحافياً في الثالثة والنصف من بعد الظهر في صالة الرابية هول في فندق الحبتور.
وزير الشؤون الخارجية الجزائري
إلى ذلك، استقبل رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية السيد رمطان لعمامرة. وأكد عون ان القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر في الأول من تشرين الثاني المقبل "تكتسب أهمية كبرى، لا سيما وان الحاجة ملحة لجمع شمل العرب حيال القضايا المصيرية التي تواجه دولنا العربية."
واعتبر الرئيس عون ان ما يجعل لقاء القمة هذا مهما، "هو حجم الازمات الخطيرة التي تواجه عالمنا اليوم والتحديات الكبرى، إضافة الى ما تعانيه الدول العربية من استهدافات تستوجب توحيد الجهود لمواجهتها، بدءا من القضية المركزية وهي القضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، مرورا بضرورة إيقاف الحروب التي تعصف بالعديد من دولنا، وعدم التهاون في الحرب على الارهاب وقضايا اللجوء او النزوح حيث تشهد منطقتنا أسوأ موجات اللجوء التي شهدها التاريخ الحديث، ولبنان يدفع الثمن الغالي جراء النزوح السوري واللجوء الفلسطيني."
وشدد الرئيس عون على ان العلاقات بين لبنان والجزائر هي علاقات اخوة عميقة وصلبة، متمنيا على الجزائر المساعدة على تسهيل تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية مثل التفاح، نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، واقفال المعابر البرية والخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد اللبناني.
وكان الوزير لعمامرة نقل الى الرئيس عون رسالة شفهية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جدد فيها دعوته لزيارة الجزائر، لافتا الى ان بلاده تحتفل في شهر تموز الحالي بالذكرى الستين لاستقلالها، وسيقام للمناسبة اول عرض عسكري منذ 30 عاما.
واعرب الوزير الجزائري عن سعادته لوجوده في بيروت للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، مهنئا باسم بلاده على انجاز الاستحقاق الانتخابي في لبنان "الذي يستحق كل اهتمام وتعاون نظرا لما يمثله من دور ريادي في الدول العربية والعالم."
وردا على سؤال حول ما اذا كانت سوريا ستشارك في قمة الجزائر، أجاب: "مثلما اسلفت، نحن في مشاورات مع كافة الأطراف العربية. وفي ما يتعلق بموقف الجزائر، فنحن كبلد عربي موقفنا معروف منذ زمن بأننا لم نساند تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ولا تعليق مشاركتها في الجامعة لأن سوريا عضو مؤسس للجامعة. اما موقفنا كبلد مضيف، فهذا مرتبط بطبيعة الحال بمشاورات، لأن الهدف هو التوافق في كل القرارات، كبيرة او صغيرة. لكن سوريا هي بالتأكيد في قلب اهتماماتنا. واخي وزميلي وزير خارجية سوريا سوف يزور الجزائر وسنتناول هذه النقطة بالتحليل بكل روح المسؤولية."
الرئيس ميقاتي
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جدد خلال مأدبة عشاء أقامها في السرايا الحكومية أمس تكريماً لوزراء الخارجية العرب، تأكيد التزام لبنان بتنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات الجامعة العربية، "بما يرسخ سياسة النأي بالنفس تجاه أي خلاف عربي وبسط سيادة الدولة على كامل أرضها، ومنع الإساءة إلى الدول العربية أو تهديد أمنها".
وناشد "الأشقاء العرب وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي احتضان لبنان وشعبه الشقيق وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه".