أرجأ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الجمعة، زيارة لبيجينغ بعدما رصدت الولايات المتّحدة في أجوائها منطاداً صينياً تشتبه بأنّ أغراضه تجسّسية، في اتّهام نفته بيجينغ مبدية "أسفها" لهذه الحادثة "غير المقصودة".
وقال مسؤول أميركي طالباً عدم نشر اسمه إنّ الزيارة التي كان مقرّراً أن يقوم بها بلينكن إلى الصين يومي الأحد والإثنين "أرجئت".
- انتهاك واضح -
وأكّد مسؤول أميركي آخر لصحافيين طالباً بدوره عدم نشر اسمه أنّ تحليق هذا المنطاد في المجال الجوي الأميركي "يُمثّل انتهاكاً واضحاً لسيادتنا وللقانون الدولي"، مبرراً بذلك إرجاء الزيارة رغم "أسف" بيجينغ.
وأضاف "لقد أوضحنا لنظرائنا الصينيين أنّ هذا أمر غير مقبول وغير مسؤول".
وبحسب هذا المسؤول فإنّ إدارة بايدن شعرت بأنّ "الوقت ليس مناسباً الآن ليتوجّه وزير الخارجية" إلى بيجينغ.
وأضاف أنّ بلينكن شخصياً أبلغ الجانب الصيني بأنّه لو بقيت الزيارة في موعدها فإنّ حادثة المنطاد "كانت لتحُدّ بشكل خطير من برنامج المحادثات".
وكان البنتاغون أعلن الخميس أنّه يتعقّب تحرّكات منطاد تجسّس صيني يحلّق على ارتفاع شاهق فوق الولايات المتّحدة، ويشمل ذلك مناطق تضمّ مواقع عسكرية حسّاسة.
وبناء على طلب الرئيس جو بايدن، بحث البنتاغون في إمكان إسقاط المنطاد، لكنّه قرّر في نهاية المطاف عدم فعل ذلك بسبب المخاطر التي يشكّلها تساقط الحطام على الناس، بحسب مسؤول دفاعي كبير.
وأضاف المسؤول الدفاعي "نتخذ خطوات لحماية أنفسنا في مواجهة عملية جمع معلومات حساسة"، مشددا على "القيمة المحدودة للمنطاد لناحية جمع معلومات استخبارية".
وتابع "اعتبرنا أنّ المنطاد كبير بما يكفي ليتسبب الحطام بأضرار" إذا تم إسقاطه في منطقة مأهولة.
وزيارة بلينكن لبيجينغ كانت ستكون الأولى لوزير خارجية أميركي إلى الصين منذ 2018 وكانت تهدف إلى تخفيف التوترات بين الولايات المتّحدة والعملاق الآسيوي الذي تعتبره واشنطن منافسها الرئيسي في العالم.
لكنّ المسؤول الأميركي نفسه شدّد على وجوب عدم إعطاء الحادث أكثر من حجمه، مشيراً إلى أنّ بلينكن سيحدّد موعداً جديداً للزيارة ما أن "تتوافر الظروف المناسبة".
وأضاف أنّ الولايات المتّحدة لا تزال "واثقة" بقدرتها على إبقاء "قنوات الاتصال مفتوحة" مع الصين رغم إرجاء الزيارة.
- الصين تأسف وتنفي-
أتى قرار الوزير الأميركي بعيد إعراب بيجينغ عن "أسفها" لانتهاك منطادها المجال الجوي الأميركي.
وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إنّ "المنطاد من الصين. إنّه منطاد مدني يُستخدم لأغراض البحث، وبالدرجة الأولى لأبحاث الأرصاد الجوية".
وأضافت "يأسف الجانب الصيني لدخول المنطاد عن غير قصد المجال الجوي الأميركي بسبب قوة قاهرة".
وتأتي هذه الحادثة في وقت تحاول القوّتان العظميان منع تحوّل التوتّر بينهما إلى صراع مفتوح.
وفي بيانها، قالت وزارة الخارجية الصينية إنّ المنطاد خرج عن مساره المحدّد بسبب تيار هوائي.
وأوضح البيان أنّه "بسبب تيار الرياح الغربية وفي ظلّ قدرته المحدودة على التوجيه الذاتي، انحرف المنطاد بعيداً من المسار المحدّد له".
وشدّدت الخارجية الصينية في بيانها على أنّ "الجانب الصيني سيواصل التواصل مع الجانب الأميركي والتعامل بشكل مناسب مع هذا الوضع غير المتوقّع والناجم عن قوة قاهرة".
وفي أوتاوا، أعلنت الحكومة الكندية الجمعة أنّها تحقّق في "حادثٍ ثانٍ محتمل".
من جهته قال المتحدث باسم البنتاغون بات رايدر إنّ قيادة الدفاع الفضائي للولايات المتحدة وكندا (نوراد) تراقب مسار المنطاد.
وأضاف في بيان أنّ "المنطاد يحلّق حالياً على ارتفاع أعلى بكثير من الحركة الجوية التجارية، ولا يشكّل تهديداً عسكرياً أو جسدياً لمن هم على الأرض".
- "حادث ثانٍ" -
وبحسب وسائل إعلام أميركية، فقد حلّق المنطاد فوق جزر ألوشيان في شمال المحيط الهادئ، ثم مرّ عبر الأجواء الكندية قبل أن يدخل الأجواء الأميركية قبل يومين.
من جهتها، أكدت وزارة الدفاع الكندية أنّ "الكنديين في أمان وكندا تتّخذ التدابير لضمان أمن مجالها الجوي بما يشمل تتبّع حادث ثان محتمل".
ولم تذكر كندا الصين.
وأضافت الوزارة أنّ "وكالات الاستخبارات الكندية تعمل مع شركائها الأميركيين وتواصل اتخاذ كلّ التدابير اللازمة لحماية كندا من تهديدات تجسّس أجنبي".
وقال مسؤول دفاعي أميركي "من الواضح أن القصد من هذا المنطاد هو المراقبة، ومساره الحالي يقوده فوق عدد من المواقع الحساسة"، وخصوصا قواعد جوية ومخازن صواريخ استراتيجية في ولاية مونتانا في شمال غرب الولايات المتحدة.
وأشار المسؤول إلى أن المنطاد دخل المجال الجوي الأميركي "قبل أيام عدة"، مضيفا أن الاستخبارات الأميركية كانت تتعقبه قبل ذلك بفترة طويلة وأن هذه ليست أول مرة يرصد الجيش الأميركي خرقا مماثلا.
لكن هذه المرة بقي المنطاد في المجال الجوي للولايات المتحدة فترة أطول.
وعند تبلغه بالأمر طلب بايدن على الفور من وزير دفاعه لويد أوستن الذي كان في الفيليبين الأربعاء، أن يقدّم له خيارات، ثم أجرى الأخير مناقشات مع قادة الجيش في البنتاغون.
وطبقاً للمسؤول نفسه، اقتربت طائرات مقاتلة من المنطاد فوق مونتانا.
- "عمل مزعزع للاستقرار" -
وأثارت واشنطن القضية مع السلطات الصينية. وقال المسؤول الأميركي "أبلغناهم بخطورة الواقعة. أوضحنا لهم أننا سنفعل كل ما هو ضروري لحماية شعبنا على أراضينا".
واستنكر رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي مساء الخميس "العمل المزعزع للاستقرار" الذي تقوم به الصين و"يتجاهل بدون خجل سيادة الولايات المتحدة".
ودعا مكارثي بايدن إلى "عدم التزام الصمت"، مطالباً الإدارة بإبلاغ أعضاء الكونغرس بمجريات هذه القضية.
وفي بيان مشترك قال البرلماني الجمهوري مايك غالاغر وزميله الديموقراطي وراجا كريشنامورثي اللذان يترأسان لجنة برلمانية حول الصين إنّ "هذا الانتهاك للسيادة الأميركية، قبل أيام فقط من زيارة وزير الخارجية بلينكن للصين، يُظهر أنّ الدلائل الأخيرة على الانفتاح" من جانب بيجينغ "لا تعكس تغييراً حقيقياً في السياسة" الصينية.
وفي منشور على موقعه للتواصل الاجتماعي "تروث" كتب الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب "أسقطوا هذا المنطاد!".
واغتنمت المعارضة الجمهورية هذه الواقعة للتنديد بسياسة اليد الممدودة التي تنتهجها إدارة بايدن تجاه بيجينغ، بحسب قولها.