لم يكن مفاجئاً ما حصل في جلسة مناقشة البرلمان لرسالة الرئيس السابق ميشال عون، أولاً لإجماع كل الخبراء القانونيين في البلد على أن الرسالة "لزوم ما لا يلزم"، وثانياً، للمعرفة المسبقة بإرادة بعض القوى التي تؤكد على أن الأولوية يجب ان تتركز اليوم على انتخاب رئيس جديد للبلد، وعدم التلهي بمتاهات جانبية. وأن من يشير اليوم إلى أن "وجود عدم إرادة لتشكيل حكومة هو ضربة للدستور"، هو من عطّل الدستور والمسار الطبيعي للتشكيل بشروطه وتعقيداته.
وانطلقت عند الحادية عشرة صباحاً الجلسة المخصّصة لقراءة رسالة الرئيس العماد ميشال عون بشأن استقالة الحكومة برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي حدّد في ختامها جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية الخميس المقبل.
الصّور بعدسة الزّميل حسام شبارو.
بعد قرع الجرس، وقبيل البدء بتلاوة الرسالة، انسحبت كتلتا "التغيير" و"الكتائب" وكذلك النائب ميشال معوّض.
وفي السياق، قال النائب ملحم خلف: "على مجلس النواب الاجتماع لانتخاب رئيس وليس لأمر آخر؛ ولذلك سننسحب من الجلسة فهي غير دستوريّة".
وقال النائب سامي الجميّل: "الهدف من هذه الجلسة إذكاء النعرات الطائفيّة والخلافات الدستوريّة، وبالتالي هي غير قانونيّة".
سليم عون يطلب الاستماع إلى موقف ميقاتي قبل البدء بمناقشة رسالة عون... وردّ عنيف من برّي
وردّ رئيس مجلس النواب نبيه بري على مداخلات بعض النواب التي سبقت مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، بعد أن أبدوا خشيتهم من أن يكون الهدف من هذه الرسالة إثارة النعرة الطائفية، قائلاً: "إن شاء الله النوايا منيحة، وسبق أن ناقشنا من قبل رسائل مماثلة وما صار شي".
وسأل: "هل يعتقد أحد أنني قد أدعو إلى أمر طائفي؟".
ورداً على النائب سليم عون الذي طالب قبل البدء بمناقشة رسالة الجمهورية بالاستماع إلى موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال، قال برّي: "ليش إذا سمعتو كلمته بتقنعوا إنتو؟".
بيان توضيحي لنواب التغيير حول انسحابهم من جلسة مناقشة رسالة عون بشأن استقالة الحكومة
أكد كل من النواب إبراهيم منيمنة، إلياس جرادي، بولا يعقوبيان، حليمة القعقور، رامي فنج، فراس حمدان، ميشال دويهي، ملحم خلف، وضاح الصادق وياسين ياسين أنّ "المجلس النيابي تحوّل منذ منتصف ليل ٢٠٢٢/١٠/٣١ إلى هيئة انتخابية مُلتئمة بشكلٍ دائم لانتخاب رئيس الدولة، ليس إلاّ، ولا يحقّ له مناقشة أيّ أمرٍ ولا يحقّ له القيام بأيّ عملٍ سواه".
وفي بيان، أشار النواب إلى أنّه "بما أنّ المادة ٧٤ من الدستور تنص صراحةً على أنّه إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون. وبما أنّ المادة ٧٥ من الدستور تنصّ صراحةً على أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أيّ عمل آخر، وبما أنّ سدة الرئاسة خلت في منتصف ليل ٢٠٢٢/١٠/٣١، من دون التمكن من انتخاب رئيس جمهورية جديد، فإنّ الدعوة إلى جلسة موجّهة إلى النواب وفقاً للفقرة ٣ من المادة ١٤٥ من النظام الداخلي للمجلس النيابي، لتلاوة ومناقشة رسالة رئيس الجمهورية، لا تستقيم، مع ما يَترتب من تبعاتٍ وعيوبٍ تمسّ صحة وقانونية الجلسة، ولأنه في أي حال أحكام الدستور تسمو فوق أي نصوص قانونية أُخرى، وذلك بغض النظر عن مضمون تلك الرسالة".
وأضاف النواب: "إنّنا، ومن باب حرصنا الشديد على احترام أحكام الدستور، اتخذنا القرار بالخروج من هذه الجلسة واعتبارها غير ممكنة الانعقاد. ونعي جيداً مخاطر شغور سدة رئاسة الجمهورية، وندعو سائر زملاءنا النواب إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية أمام التاريخ والناس، وإلى عدم انتظار أيّ إشاراتٍ إنْ كانت داخلية أو خارجية، وإلى جعل أحكام المادتين ٧٤ و٧٥ من الدستور، كأمرٍ واقعٍ، وبالتالي، إلى إنفاذ أحكامها فعلياً، وإلى الاجتماع حضورياً بشكلٍ دائم، ومن دون انقطاع، لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وحتى تحقيق هذا الانتخاب".
ستريدا جعجع لباسيل: "يللا لمشي بسمير جعجع" والأخير يردّ: "ما تشوّشيني!"
قاطعت النائبة ستريدا جعجع النائب جبران باسيل أثناء مداخلته عن اعتماد ترشيح المسيحي الذي اختارته الناس لرئاسة الجمهورية، خلال جلسة مناقشة رسالة الرئيس السابق ميشال عون بشأن استقالة الحكومة، فقالت: "يللا امشي بسمير جعجع"، فردّ قائلاً: "ما تشوّشيني!".
وعرض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام المجلس النيابي مفاوضات تشكيل الحكومة بالوقائع والتواريخ، وقال رداً على النائب جبران باسيل حول ميثاقية تكليفه: "كان يجب أن أعتذر في حينها، ولكن عندما طالبت أنت باعتذاري تراجعت".
حزب "تقدُّم" يعلن مقاطعته جلسة تلاوة رسالة عون: نضع كافّة القوى السياسية أمام مسؤولياتها
وقبيل الجلسة، أعلن حزب "تقدُّم" مقاطعة جلسة تلاوة رسالة رئيس الجمهورية السابق، "بعد تحطيم السلطة المالية خدمة لمافيا المصارف، وتهشيم السلطة القضائية حماية للمجرمين خصوصاً مجرمي تفجير المرفأ، وتدمير السيادة الوطنية بصفقات مشبوهة محمية بسلاح خارج الدولة".
وقال: "نكرّر مطالبتنا رئيس المجلس بالدعوة لجلسات مكثفة فوراً لانتخاب رئيس للجمهورية عملاً بالمادة ٧٤ من الدستور، والمادة ٧٥، التي تنصّ على أنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أيّ عمل آخر".
وفي بيان، أشار الحزب إلى أنّه يضع "كافّة القوى السياسية أمام مسؤولياتها لإنهاء الفراغ المتعمّد في السلطة التنفيذية وإنقاذ ما تبقّى من مشروع الدولة".
باسيل من مجلس النواب: ميقاتي Hوقعنا بفراغ حكوميّ بتعمّد منّه
ورأى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، في مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء الجلسة، أن "الرسالة كانت لتفادي سابقة دستورية يمكن أن يقع فيها البلد وكانت تهدف إلى حث المجلس النيابي لانتخاب رئيس أو أخذ موقف في موضوع تأليف الحكومة".
وقال: "الرئيس عون تيقّن أن هناك تعطيلاً لتأليف الحكومة بإرادة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي".
وأكد أن "الإرادة بعدم تشكيل الحكومة كانت واضحة"، قائلاً "ميقاتي قال إن لا حاجة لتأليف حكومة وهذا الأمر يشكل سابقة خطيرة في دستورنا وهو اشترط الثقة للتأليف رغم أن التكليف لم يأخذ الثقة وبالتالي قرّر عدم التشكيل".
وتابع: "السابقة الدستورية الفريدة ناتجة عن أن ميقاتي لم ير مصلحة لتأليف الحكومة ولم يعتذر، وقد أوقعنا بفراغ حكومي بتعمّد منّه"، معتبراً أن "عدم التأليف يشكّل سابقة خطيرة في نظامنا ودستورنا".
وشدّد على أنّنا "لن نقبل بوجود وصاية على التيّار الوطني الحر لتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية".
من جهته، كشف النائب جورج عدوان بعد انتهاء جلسة مجلس النواب أن "الحل الوحيد للوضع الذي نحن فيه هو انتخاب رئيس للجمهورية للخروج من كل النقاشات الحاصلة".
وتابع: "اليوم المجلس النيابي وخلال ممارسته لدوره الرقابي، قال إنّه في غياب وجود رئيس للجمهورية لا يمكن أن نترك فراغاً وبالتالي الحكومة تستمر بتصريف الأعمال".
وأضاف: "هناك من أراد أن يُخرج النقاشات عن سياقها ودور مجلس النواب أن يتعاطى من موقعه الدستوري مع أيّ رسالة وهذا ما قمنا به اليوم في الجلسة".
مواقف سبقت الجلسة:
وفي سياق المواقف التي سبقت بدء الجلسة، أكّد عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غسان حاصباني أن "الأولوية هي لانتخاب رئيس من دون أن تكون هناك أمور جانبيّة لشراء الوقت، ونحن مع الحوار دائماً مع كلّ من يأتي بحلول إنّما أن يأتي تحت سقف الدستور وخلال جلسة مفتوحة لانتخاب الرئيس".
من جهته، شدّد النائب ميشال معوض على أنّ "الدستور لا يقول إنّه يجب التوافق على رئيس للجمهورية، وإلا فلنتفق على رئيس مجلس نواب ورئيس حكومة أيضاً؛ وما يحصل اليوم هو محاولة تشنّج طائفيّ لتبرير الفراغ، ومن يُرِد الدفاع عن الصلاحيات عليه أن يعود للدستور وينتخب رئيساً"، مؤكداً أن "من لا يحضر بهدف انتخاب رئيس للجمهورية يتحمّل مسؤولية الفراغ الحاصل".
إلى ذلك، قال عضو تكتل "لبنان القوي" النائب آلان عون: "نراهن على العقلاء من مختلف الأفرقاء من أجل التعامل مع الاستحقاقات المقبلة".
من جهته، أكد عضو "اللقاء الديمقراطي" النائب بلال عبدالله أن "مبادرات الوقت الضائع لا تثمر".
أمّا النائب وضّاح صادق، فقال: "أنا فخور بسنيّتي، ولكنني لبنانيّ بالدرجة الأولى، ولا أؤمن بدستوريّة الجلسة اليوم. وقد ألقي مداخلة، وأخرج من الجلسة. ولقاء الـ27 نائبًا ليس مشروع كتلة".
وأمس، اعتذر برّي عن السير قدماً بدعوته للحوار بين الكتل النيابية للوصول لرئيس توافقي، "بعد استمزاج الآراء، ونتيجة الاعتراض والتحفظ لا سيّما من كتلتي القوّات اللّبنانية والتيّار الوطني الحرّ"، بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي.