انتقد البابا فرنسيس، في اليوم الثاني من زيارته إلى البحرين، منطق "الكتل المتعارضة" التي تضع العالم "على حافّة الهاوية في توازن هشّ"، مؤكّداً أنّ "خيار اللّقاء هو البديل عن المواجهة في عالم يشهد نزاعات عدة".
وبدأ البابا، أمس الخميس، زيارة تاريخيّة هي الأولى لحبر أعظم إلى المملكة الخليجية، في إطار مشاركته في "ملتقى البحرين للحوار الشرق والغرب من أجل التّعايش الإنساني"، الذي يحضره قرابة مئتيّ شخصيّة من رجال دين ومسؤولين من منطقة الشرق الأوسط.
وقال البابا في كلمة ألقاها في ختام أعمال المؤتمر، في ميدان صرح الشهيد في قصر الصخير الملكي بحضور العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب والمشاركين في المؤتمر، إنّ "عدداً قليلاً" من أصحاب النّفوذ يخوضون صراعاً من أجل "المصالح الخاصّة، يحيون اللّغات القديمة ويعيدون رسم مناطق النّفوذ والكتل المتعارضة".
كما حذّر البابا من "العنف واللجوء للسلاح حول العالم"، مؤكداً "العزم على اختيار طريق اللقاء والحوار بين الشرق والغرب".
وأضاف: "للأسف الشّرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين، لكن نحن هنا معاً لأنّنا عازمون على الإبحار في البحر نفسه واختيارنا هو طريق اللّقاء بدلاً من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يُشير إليه هذا المنتدى".
ويكرّر البابا انتقاده للنّزاعات التي تغزو العالم واللّجوء إلى لغة السّلاح والتّهديد باستخدام السّلاح النّووي، على وقع الغزو الرّوسي لأوكرانيا، الذي يدينه بشدّة.
وقال: "يبدو أننا نشاهد سيناريو مأساويّاً، بدلاً من أن نعتني ونهتمّ بالكلّ، نلعب بالنار وبالصّواريخ والقذائف وبأسلحة تسبّب البكاء والموت ونغطّي البيت المشترك بالرماد والكراهية".
وتابع قائلاً: "ما زلنا نجد أنفسنا على حافّة الهاوية في توازن هشّ ولا نريد أن نغرق" مندّداً بما وصفه بـ"الفجوة بين الشمال والجنوب" الآخذة في "النموّ بثبات وبصورة مأسوية".
وقال البابا، الذي حضر إلى المنصّة الرسمية على كرسي متنقّل بسبب آلام الرّكبة التي يعاني منها وباتت تعيق مؤخّراً قدرته على التنقّل، إنّ "ظهور الصراعات يجب ألا يجعلنا نغفل عن المآسي الكامنة في الإنسانية مثل كارثة عدم المساواة، وكارثة تغيّر المناخ".
كما جدّد الحبر الأعظم دعواته إلى تعزيز التّعليم والاستثمار فيه لأنّه "حيث تنقص فرص التّعليم يزداد التطرّف وتتجذّر الأصولية".
وأضاف: "كافّة المبادرات للسّلام جيّدة، والمهم أن نقوم بتنفيذها معاً وألّا يتمّ استغلالها لأغراض أخرى".
في كلمته، أكّد العاهل البحريني أنّ "للقيادات الدينيّة وأصحاب الفكر دور مهمّ في معالجة الأزمات وتحقيق الاستقرار"، داعياً إلى "إلى وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا وبدء مفاوضات بهدف إحلال السلام في العالم".
أما شيخ الأزهر، فأكد أنّ "سبب المآسي التي تشهدها بعض دول العالم هو غياب ضوابط العدالة الاجتماعية"، مضيفاً أنّ "الشّرق والغرب بحاجة لبعضهما البعض ويجب ألّا نيأس من أن تستعيد العلاقات بين الطرفين صحّتها".
من جانبه، قال الرّجل الثاني في الفاتيكان المونسنيور بيترو بارولين الذي التقى وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف في ايلول الماضي، للصحافيين إنّ هناك "بضع مؤشّرات صغيرة لتقدّم المفاوضات مع موسكو".
يُخصّص البابا فرنسيس الجزء الأكبر من يومه الثاني في البحرين لتعزيز الحوار مع الإسلام، غداة دعوته إلى احترام حقوق الإنسان والعمال والحرية الدينية، ومطالبته بإنهاء عقوبة الإعدام المطبقة في المملكة الخليجية.
وجاءت الزيارة، وهي الثانية للبابا إلى شبه الجزيرة العربية منذ رحلته التاريخية إلى الإمارات عام 2019، على وَقع انتقادات منظمات حقوقية لسياسة التمييز التي تطال ناشطين ومعارضين سياسيين في البلاد التي شهدت اضطرابات في أعقاب تظاهرات مطالبة بتغيير نظام الحكم في 2011.
وعند الرابعة والنصف عصراً (13,30 ت غ)، يتحدّث البابا أمام "مجلس الحكماء المسلمين" في مسجد القصر الملكي، ثم خلال صلاة مسكونية في كاتدرائية سيدة العرب، أكبر كنيسة كاثوليكية في الخليج، افتتحت في نهاية عام 2021.