اجتمع قادة العالم في مؤتمر الأطراف حول المناخ "كوب27" في مصر في وقت يتعرّضون فيه لضغوط كبيرة لتعزيز تعهداتهم المناخية إزاء الاحترار الآخذ بالارتفاع ولتوفير دعم مالي للدول الفقيرة أكثر المتضررين من التغير المناخي.
ويقوم نحو 110 من قادة الدول والحكومات بمداخلات أمام المندوبين المجتمعين في شرم الشيخ في إطار "كوب27".
تأتي هذه المداخلات على خلفية أزمات متعددة مترابطة تهز العالم وهي الغزو الروسي لأوكرانيا والتضخم الجامح وخطر وقوع ركود وأزمة الطاقة مع تجدد الدعم لمصادر الطاقة الأحفورية، وأزمة الغذاء في حين سيتجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة.
وهذه "الأزمة المتعددة الجوانب" قد تدفع بأزمة التغير المناخي إلى المرتبة الثانية في سلم الأولويات رغم أن تداعياتها المدمرة تجلت كثيراً العام 2022 مع فيضانات قاتلة وموجات قيظ وجفاف عاثت فساداً بالمحاصيل.
من جانبه، حذر الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن البشرية أمام خيار العمل معا أو "الانتحار الجماعي".
وأكد غوتيريس أن "البشرية أمام خيار التعاون أو الهلاك. فإما يكون عهد على التضامن المناخي أو عهد على الانتحار الجماعي".
كما قال: "نحن نسلك الطريق السريع نحو الجهنم المناخي ونواصل الضغط على دواسة السرعة". ويرفع غوتيريش الصوت أكثر فأكثر في الفترة الأخيرة.
"غير مقبول"
وأكد غوتيريس أن الأزمات الأخرى عابرة إلا أن المناخ "مسألة حاسمة في عصرنا هذا" و"من غير المقبول" أن يتراجع النضال من أجل المناخ "إلى المرتبة الثانية" في سلم الأولويات مشددا على أن ذلك يؤدي "إلى تدمير ذاتي".
وفي السياق نفسه، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مضيف المؤتمر أن "الكوارث المناخية تتسارع وتيرتها وتزيد حدتها على نحو غير مسبوق يوما بعد يوم فما تلبث أن تنتهي كارثة في مكان ما حتى تبدأ أخرى في مكان آخر مخلفة وراءها ألاف الضحايا والنازحين والمصابين".
وأكد "ما تنتظره منا شعوبنا اليوم هو التنفيذ السريع والفعال والعادل".
تبرّع من غيتس
وتبرعت مؤسسة بيل وميلندا غيتس بمبلغ 1,4 مليار دولار لمساعدة صغار المزارعين في إفريقيا وآسيا على مواجهة التغير المناخي.
وقالت المؤسسة إن هذا المبلغ سيوزع على أربع سنوات لتشجيع الابتكارات التي تسمح لهؤلاء المزارعين بمقاومة أفضل لموجات الجفاف والحر والفيضانات العارمة التي يفاقمها التغير المناخي.
تراجع
وقال سايمن ستييل مسؤول المناخ في الأمم المتحدة لدى الافتتاح الرسمي لـ"كوب27" الإثنين "كل الأزمات مهمّة لكن ما من أزمة لها تداعيات كبيرة" مثل الاحترار المناخي الذي ستُواصل عواقبه المدمرة "التفاقم".
إلا أنّ الدّول لا تزال متّهمة بالتّقصير في ما ينبغي عليها فعله لمكافحة الاحترار.
وينبغي أن تنخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45 % بحلول العام 2030 لتكون هناك فرصة لتحقيق أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ المبرم العام 2015 طموحاً ويقضي بحصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية.
لكن التعهّدات الحاليّة للدّول الموقّعة حتى لو احترمت في نهاية المطاف، ستؤدي إلى ارتفاع الانبعاثات بنسبة تراوح بين 5 و10 % ما يضع العالم على مسار تصاعدي قدره 2,4 درجة مئوية في أفضل الحالات بحلول نهاية القرن الحالي.
غير أنّه مع السياسات المتّبعة راهناً، يُتوقّع أن يبلغ الاحترار 2,8 درجة مئوية وهو أمر كارثي، على ما تفيد الأمم المتحدة.
وفي مؤشر إلى "التراجع" الذي يخشاه كثيرون، وحدها 29 دولة رفعت إلى كوب 2021 خططاً بزيادة تعهّداتها بخفض الانبعاثات رغم أنّها أقرّت ميثاقاً يدعوها إلى القيام بذلك.
وستكون الإعلانات المحتملة حول خفض إضافي للانبعاثات موضع ترقب كبير في شرم الشيخ.
كذلك، يترقّب العالم باهتمام الإعلانات المتعلّقة بالمساعدات إلى الدول الفقيرة وهي عادة أكثر البلدان عرضة لتداعيات الاحترار المناخي، حتى لو أنّ مسؤوليّتها فيها محدودة إذ إنّ انبعاثاتها من غازات الدفيئة قليلة جداً.
وفي بادرة يأمل كثير من الناشطين ألّا تكون رمزية فقط، قرّر المندوبون إلى "كوب27" الأحد للمرّة الأولى إدراج مسألة تمويل الأضرار الناجمة من الاحترار على جدول الأعمال الرّسمي للمؤتمر.
وتُقدّر هذه الأضرار بعشرات المليارات منذ الآن، ويُتوقّع أن تستمرّ بالارتفاع الكبير. فالفيضانات الأخيرة التي غمرت ثلث باكستان تسبّبت وحدها بأضرار قُدّرت بأكثر من 30 ملياراً.
وتُطالب الدول الضعيفة إزاء هذه التداعيات، بآليّة تمويل خاصّة، إلّا أنّ الدول الغنية تتحفّظ على ذلك، إذ تخشى أن تحمل المسؤولية رسميًا وتُفيد بأنّ نظام تمويل المناخ معقّد كفاية بحالته الراهنة.
- غياب -
ويجرى المؤتمر في غياب طرفَين رئيسيين. إذ يغيب الرئيس الصيني شي جيبينغ عن "كوب27" في حين أنّ نظيره الأميركي جو بادين المنشغل بانتخابات منتصف الولاية الثلثاء، سيمرّ على شرم الشيخ سريعاً في 11 تشرين الثاني.
بيد أنّ التعاون حيوي بين البلدين اللذين يُصدران أعلى مستوى من انبعاثات غازات الدفيئة وتشهد علاقاتهما توتّراً شديداً. لكن قد يلتقي شي وبايدن في بالي في الأسبوع التالي، على هامش قمّة مجموعة العشرين.
في المقابل، يحضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الداعم الكبير للإنتاج النفطي.
ويأتي أيضاً رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك الذي أكّد أنّه سيتطرّق في مصر إلى قضيّة المعتقل المصري الذي يحمل الجنسيّة البريطانيّة علاء عبد الفتاح المضرب عن الطعام منذ سبعة أشهر والذي توقف عن شرب المياه الأحد بحسب عائلته.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات المصرية أوقفت عشرات الأشخاص في الأيام السابقة لبدء المؤتمر فيما حق التظاهر يخضع لقيود.