تواصلت الغارات الجوية اليوم على قطاع غزة الذي انطلقت منه دفعة جديدة من الصواريخ، بعد استهداف قياديّ خامس في "حركة الجهاد الإسلامي"، فيما سقط ستّة فلسطينيين ضحية غارات على القطاع، بينهم قياديان في "الجهاد الإسلامي". وارتفعت بذلك حصيلة القتلى في التصعيد الذي بدأ الثلثاء - وهو الأعنف منذ آب 2022 - إلى 30 ضحية في الجانب الفلسطيني بينهم 6 أطفال و3 نساء.
بعد ظهر اليوم، أعلن الجيش الإسرائيلي عن عمليّة مشتركة مع جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) "استهدفت أحمد ابو دقة الذي كان له دور كبير في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل".
(أ ف ب)
وبحسب البيان، فإنّ أبو دقة "أدّى دوراً مركزياً في عمليات إطلاق الرشقات الصاروخية نحو إسرائيل"، وهو "نائب قائد القوة الصاروخية لـ(الجهاد الإسلامي) علي غالي في قطاع غزة والذي استهدف في وقت سابق فجر اليوم".
من جانبها، نعت "سرايا القدس"، الجناح المسلّح لـ"حركة الجهاد الإسلامي" أحمد أبو دقة، وهو أحد قادتها.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق استهداف غالي، واصفاً إياه بـ"المسؤول عن إدارة الوحدة الصاروخية" في "حركة الجهاد الإسلامي".
وبحسب الجيش الإسرائيلي، أُطلق أكثر من 550 صاروخاً من القطاع "من دون التسبّب بوقوع إصابات". وقد زعم أنه من بين هذه الصواريخ، فإنّ 440 صاروخاً تجاوز الحدود، بينما قامت منظومة القبة الحديدية باعتراض 154 صاروخاً، وسقط خمسة صواريخ داخل القطاع.
وأطلقت رشقة جديدة من الصواريخ على جنوب إسرائيل بعد هذه الغارة، بحسب مراسلي "فرانس برس".
"الخيارات مطروحة على طاولة المقاومة"
حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليل الأربعاء من أنّ "كل من يؤذينا، من يرسل إلينا إرهابيين، سيدفع الثمن".
بدت الشوارع خالية في قطاع غزة إلّا من عدد قليل من الناس. وتفرّق عناصر الشرطة خارج مراكزهم، ووقفوا بعيداً عن الحواجز الرئيسية بعشرات الأمتار. كما شوهدت سيارات إسعاف تجوب الشوارع.
في بيت لاهيا شمال القطاع، قالت أم راني المصري (65 عاماً) بينما كانت تقف بين أنقاض منازل مدمّرة: "أقول لإسرائيل إنّ البيوت كان فيها أطفال. لم يكن فيها سلاح. أنا لا أترك تسعة أطفال في بيت فيه صواريخ".
أغلقت المحال التجارية في غزة باستثناء عدد قليل من محال السوبرماركت التي فتحت جزئياً، واصطفّ عشرات المواطنين أمام مخبز في حي الرمال.
وقال مازن (40 عاماً) من سكان جباليا الذي وقف أمام مخبز ينتظر دوره لشراء الخبز: "بناتي الثلاث مع أطفالهنّ لجأن إلى منزلي لشعورهنّ بالخوف. جئت لأشتري الخبز وسأشتري الطعام وأعود فوراً". وتابع: "الوضع مرعب، نأمل في التوصل إلى تهدئة، تعبنا كثيراً من التصعيد والحروب".
شدّدت "حركة الجهاد الإسلامي" على أنّ "الاغتيالات الإسرائيليّة لن تمرّ مرور الكرام"، مضيفة أنّ "كلّ الخيارات مطروحة على طاولة المقاومة".
وكانت حركة "حماس" قد أعلنت الأربعاء أنّ "ردّ المقاومة واجب وثابت على كلّ عدوان وهي موحدة في الميدان"، مضيفة أنّ "ضربات المقاومة الموحدة جزء من عملية الردّ" على الجيش الإسرائيلي.
جهود وساطة
دعا وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا ومصر والأردن اليوم إلى وضع حدّ لأعمال العنف. وأعرب وزراء الخارجية في بيان مشترك عن "قلقهم البالغ" إزاء التصعيد.
وتابعوا: "نحضّ على وقف فوري وشامل لإطلاق النار يضع حدّاً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولإطلاق الصواريخ عشوائياً على إسرائيل"، مشيدين بالجهود التي تبذلها مصر من أجل وقف القصف.
وأفاد مصدران متطابقان في "الجهاد الإسلامي" و"حماس" وكالة "فرانس برس" بأنّ مصر أجرت اتصالات "مكثّفة ومثمّنة" مع الحركتين "وأبلغتنا أنّها أجرت اتصالات مع الجانب الإسرائيلي وطلبت وقفاً فورياً لإطلاق النار والعودة للهدوء. وحتى الآن لا يوجد اتفاق للتهدئة".
وذكر مصدر في "الجهاد الإسلامي" لـ"فرانس برس" أنّ رئيس الدائرة السياسية في الجهاد محمد الهندي سيصل إلى القاهرة اليوم للقاء مسؤولين في جهاز المخابرات العامة.
بدوره، صرّح مسؤول إسرائيلي فضّل عدم كشف هويته بأنّ جهوداً مصرية تبذل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مضيفاً: "سنجري تقييماً للأوضاع بناءً على الأفعال على أرض الواقع وليس على البيانات".
"صدمة"
في الجانب الإسرائيلي القريب من قطاع غزة، يعيش الإسرائيليون على وقع صافرات الإنذار التي دوّت الأربعاء أيضاً في تل أبيب وبئر السبع.
في عسقلان، على بعد عشرين كيلومتراً من قطاع غزة، كانت المحلات مفتوحة والسكان يمارسون أعمالهم. وقالت ميريام كيرين (78 عاماً) التي دُمّرت غرفة المونة لديها وسيارتها بسبب صاروخ: "ليست المرة الأولى التي يصاب فيها منزلي"، مضيفة: "كنّا تحت تأثير الصدمة في البداية لكنّنا لسنا خائفين".
في آب 2022، أدّت اشتباكات مسلحة استمرت ثلاثة أيام بين إسرائيل والجهاد الإسلامي إلى مقتل 49 فلسطينياً، بينهم 12 من أعضاء الجهاد، وفق الحركة، وما لا يقلّ عن 19 طفلاً، وفق الأمم المتحدة.
على صعيد آخر، توفي الخميس الفلسطيني "أوس جمال حمامدة كميل (30 عاماً)، متأثراً بإصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي" في قباطية في الضفة الغربية المحتلة الأربعاء، وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
وقتل الجيش الإسرائيلي الأربعاء فلسطينيين ينتميان إلى "الجهاد الإسلامي" خلال عملية للجيش في قباطية قرب جنين، وقال إنّهما أطلقا النار على جنود.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية الخميس أنّ "(وحدات المستعربين) التابعة لحرس الحدود دخلت قرية صور باهر في القدس الشرقية المحتلة بعدما اندلعت مواجهات عنيفة مع الشرطة". وقالت إنّ "مثيري شغب" استخدموا "الحجارة وزجاجات مولوتوف الحارقة"، وقد أصيب أحدهم في ردّ الشرطة بإصابة خطيرة.
"حماس" خارج الاشتباك؟
تتواصل محاولات مصر للتهدئة، وقد قال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع للإذاعة العامة الإسرائيلية إن "وفداً مصرياً في طريقه إلى إسرائيل في إطار محادثات وقف إطلاق النار".
وكشف مصدر سياسي إسرائيلي اليوم، أنّ "إسرائيل لم توافق على تسليم جثة المعتقل الإداري، خضر عدنان، في إطار وقف إطلاق النار" في غزة. وقد نقل موقع "واينت" الإلكتروني عن مصادر إسرائيلية قولها إن إسرائيل ترفض مطلب "الجهاد الإسلامي" وقف الاغتيالات، في محادثات غير مباشرة لوقف إطلاق النار.
كما علّق مصدر إسرائيلي مطلع على الاتصالات قائلاً إنّ "الوضع شائك ومتوتر، والاتصالات تتقدّم باتجاه وقف إطلاق نار ولكن بوتيرة أبطأ من العادة"، وفق ما نقل عنه موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني، صباح اليوم.
وقد قال مصدر سياسي إسرائيلي للصحيفة إنّ "التخوّف هو من أن استمرار القتال الذي يقود إلى خسائر إسرائيليين وفلسطينيين من شأنه أن يصعّد الوضع، وأن يدفع "حماس" إلى الانضمام للقتال".
من جهته، لفت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري إلى أنّ "(الجهاد الإسلامي) هي التي تطلق القذائف الصاروخية، ولا نرى إطلاق قذائف صاروخية من جانب (حماس)".وتطرّق إلى اغتيال مسؤول الوحدة الصاروخية في "سرايا القدس" علي حسن غالي، بغارة إسرائيلية الليلة الماضية، وقال إنّ "الجيش الإسرائيلي وصفه بغاية مركزية".
في الإطار، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ "الإدارة الأميركية دعت إسرائيل إلى السعي من أجل التوصل إلى وقف إطلاق وإنهاء العملية العسكرية في قطاع غزة. وتحدّث مسؤولان أميركيان بهذا الخصوص مع نظرائهم في إسرائيل، الليلة الماضية، ودعوا إلى الامتناع عن تصعيد القتال".
وفجر اليوم، تحدث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، مع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي. وكرر بيان صادر عن البيت الأبيض بعد هذه المحادثة الموقف الأميركي حول "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكنه تطرّق إلى الاتصالات حول وقف إطلاق النار وضرورة "منع تصعيد آخر يقود إلى إزهاق المزيد من الأرواح".
كذلك تحدث وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، مع وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، خلال الليلة الماضية، ومرّر رسالة مشابهة لتلك التي نقلها سوليفان. وجاء في بيان صادر عن البنتاغون أن أوستن طالب غالانت بالعمل من أجل منع تصعيد وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
ولفتت "هآرتس" إلى أن إدارة بايدن قلقة من إمكانية اتساع القتال إلى مناطق أخرى وقد تتحوّل إلى مواجهة متعدّدة الجبهات، خاصّة إطلاق قذائف صاروخية من الأراضي اللبنانية أو السورية، وأن البيت الأبيض قلق أيضاً من تصعيد محتمل في الضفة الغربية أو القدس.
مقتل قيادي جديد
وعلي غالي مسؤول الوحدة الصاروخية في "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي"، هو قيادي جديد بارز من الحركة يقتل منذ أن بدأت إسرائيل قصف قطاع غزة في غارات جوية قبل فجر يوم الثلثاء. ومن بين قتلى الغارات الجوية الإسرائيلية خمس نساء وخمسة أطفال على الأقل.
وقال الجيش الإسرائيلي إن غالي ساعد في الإشراف على إطلاق صواريخ صوب إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية وكذلك في جولات قتال سابقة.
وانطلقت صفارات إنذار في مناطق بجنوب إسرائيل في محيط قطاع غزة. وأظهرت صور من "رويترز" صواريخ اعترضتها الدفاعات الجوية الإسرائيلية في السماء خلال الليل. وقصفت طائرات إسرائيلية أهدافا من بينها موقع لقذائف المورتر في الجزء الشمالي من القطاع.
وذكر الجيش الإسرائيلي أنه هاجم 158 هدفا في غزة، بينما تم إطلاق 523 صاروخا على الأقل صوب إسرائيل هذا الأسبوع عبر منها 380 إلى داخل إسرائيل لكن الدفاعات الجوية اعترضت 96 بالمئة من تلك التي كانت تشكل تهديدا بضرب أهداف.
وأضاف الجيش الإسرائيلي أيضا أن أكثر من 100 صاروخ حادت عن مسارها مما أسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين، من بينهم فتاة في العاشرة من عمرها، وهو ما نفته حركة الجهاد الإسلامي ووصفته بأنه لا أساس له من الصحة.
وقال المتحدث باسم الحركة داوود شهاب "إسرائيل تحاول مجددا أن تتهرب من المسؤولية عن قتل المدنيين عبر فبركات وأكاذيب".
وبعد أعمال عنف مستمرة منذ أكثر من عام تسببت منذ بداية 2023 في مقتل أكثر من مئة فلسطيني و19 إسرائيليا وأجنبيا على الأقل، أثار التصعيد الأحدث قلقا دوليا ومطالبات بوقف إطلاق النار.
ومن المقرر أن يلتقي وزيرا الخارجية المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي مع نظيريهما الفرنسي والألماني في برلين في وقت لاحق من اليوم الخميس لبحث جهود السلام.
لكن إسرائيل رفضت مطالب من حركة الجهاد الإسلامي بإنهاء سياسة الاغتيالات الموجهة لقيادات الحركة.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنسيت الإسرائيلي يولي إدلشتاين لهيئة البث العامة الإسرائيلية (راديو كان) "لسنا على استعداد للاستجابة لمطالب واهمة من حركة الجهاد الإسلامي".
وأضاف "بين الحين والآخر، علينا أن نبادر بالتحرك، وهذا بالضبط ما فعلته قوة الدفاع وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) بنجاح كبير هذه المرة".