بعد 13 عامًا من الغياب، عاد الرئيس السوري بشار الأسد الجمعة للمشاركة في القمة العربية في جدّة في السعودية.
ورحّب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعودة الأسد لاجتماعات القمة، قائلاً: "نأمل أن تؤدي عودة سوريا إلى الجامعة العربية لإنهاء أزمتها".
وقال ولي العهد السعودي في كلمته "يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية".
وأضاف "نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها، وبما يدعم تطلعنا جميعاً نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا".
وصافح بن سلمان الأسد، بعد 12 عاماً من تجميد عضوية سوريا.
وعانق ولي العهد الأسد قبل التقاط صورة رسمية لهما قبل بدء الاجتماع.
وقدمت دول عربية عدّة أبرزها السعودية، خصوصًا في السنوات الأولى للنزاع، دعماً للمعارضة السياسية والمسلحة، ودعت إلى ضرورة تغيير النظام في سوريا.
وتسارعت التحولات الديبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين السعودية وإيران، أحد أبرز حلفاء دمشق، في آذار الماضي على استئناف العلاقات، في خطوة بدت انعكاساتها جلية على المشهد السياسي الإقليمي في منطقة لطالما هزتها نزاعات بالوكالة.
والشهر الماضي، استقبل الأسد في دمشق وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في أول زيارة من هذا النوع منذ اندلاع النزاع في سوريا في 2011 وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية. ولطالما اتّهم الإعلام السعودي الرسمي نظام الأسد بارتكاب "جرائم".
وقال ولي العهد في كلمته "لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات، ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية".
ومن دون أي إعلان مسبق، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي إلى جدّة لحضور القاء الذي يجمع كل قادة الدول العربية.
وكتب زيلينسكي على حسابه على "تلغرام" قبل وقت قصير "سأتحدث خلال قمة الجامعة العربية. سألتقي ولي العهد (السعودي) محمد بن سلمان وسأعقد اجتماعات ثنائية أخرى". وهي اول زيارة يقوم بها للمنطقة منذ بدء الغزو الروسي لبلاده.
وشكر الرئيس زيلينسكي الجمعة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان "دعمه لوحدة أراضي" أوكرانيا، وذلك في اجتماع ثنائي خلال زيارة غير مسبوقة للسعودية للمشاركة في القمة العربية.
وقالت الرئاسة الأوكرانية في بيان إن زيلينسكي "شكر لولي عهد السعودية دعمه لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها"، ودعا بن سلمان الذي نسقت بلاده أخيراً سياستها النفطية مع روسيا، إلى زيارة اوكرانيا.
وفي السياق، اتّهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي في خطاب ألقاه أمام قادة دول عربية خلال قمة في جدة الجمعة، زعماء عرب بـ"غض الطرف" عن تصرفات روسيا في بلده، مطالباً بموقف موحد "لإنقاذ الناس" من السجون الروسية.
وقال زيلينكسي خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية "للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن (...) السجون والضم غير القانوني" للأراضي الاوكرانية.
وأضاف "لدينا بالفعل تجربة إيجابية مع السعودية في ما يتعلق بالإفراج عن مواطنينا الذين أسرتهم روسيا"، في إشارة إلى توّسط الرياض في عملية تبادل للأسرى بين كييف وموسكو.
وتابع "يمكننا توسيع هذه التجربة. حتى إذا كان هناك أشخاص هنا في القمة لديهم وجهة نظر مختلفة بشأن الحرب على أرضنا، ويصفونها بأنها صراع، فأنا متأكد من أننا يمكن أن نتّحد جميعاً في إنقاذ الناس من أقفاص السجون الروسية".
وأكّد زيلينسكي "أنا هنا حتى يتمكن الجميع من إلقاء نظرة صادقة، بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك ومحاولة الروس للتأثير" على موقفهم.
ومنحت زيارة جدة زيلينسكي، وهي الأولى له إلى الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في بلاده، فرصة لمخاطبة قادة الدول العربية التي يبقى موقفها ضبابياً وغير موحد من الحرب في أوكرانيا، بخلاف حلفائه الأوروبيين والأميركيين.
وقال مسؤول في جامعة الدول العربية لوكالة "فرانس برس" "يحضر زيلينسكي القمة الجمعة بدعوة من السعودية وليس من الجامعة العربية". ولم يردّ مسؤولون سعوديون فورًا على طلبات وكالة "فرانس برس" التعليق.
وتدعو الرياض وحليفتها أبوظبي إلى إنهاء الحرب، من دون أن تنتقدا موسكو بشكل مباشر.
وصوّتت الرياض لصالح قرارات مجلس الأمن المنددة بالغزو الروسي وضمّ موسكو مناطق في شرق أوكرانيا. لكنّها في الوقت نفسه واصلت التنسيق بشكل وثيق مع روسيا حول السياسات النفطية، بما في ذلك قرار خفض الإنتاج الذي اتّخذ في تشرين الأول، مع محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني منذ عقود.
وانتقدت واشنطن الرياض معتبرة أنها قدمت "دعمًا اقتصاديًا" وكذلك "معنويًا وعسكريًا" لروسيا.
من جهته، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته، أثناء الجلسة الافتتاحية للقمة العربية رقم 32 في جدّة بالسعودية، أن المنطقة تمرّ بظروف قاسية تهدّد الحاضر والمستقبل.
وقال إن الحفاظ على الدولة الوطنية ضرورة لحماية مصالح الشعوب العربية.
وشدّد السيسي على أن السلام هو الخيار الاستراتيجي للتسوية في منطقة الشرق الأوسط، مع ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، محذّراً من الإدارة العسكرية والأمنية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وأشار إلى أن الأزمات في السودان وليبيا تؤكد على ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك.
وأوضح أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة مهمة لتسوية الأزمة.
وذكر أن مصر ستدعم التعاون العربي بأقصى جهد ممكن من أجل دفع مسيرة التنمية.
كما رحّب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بالرئيس السوري بشار الأسد في القمة وبعودة سوريا إلى الجامعة العربية، معتبراً أن "ثمة فرصة لا يجب تفويتها لمعالجة الأزمة سياسياً".
وفي كلمة له خلال اجتماع القمة العربية بدورتها الـ32، رحّب أبو الغيط أيضاً بـ"الاتفاق بين السعودية وإيران"، معتبراً أن "المشهد الدولي يمر بأشد الفترات خطورة في العالم المعاصر ولا بد من التمسك بالمصالح العربية لمواجهة ضغوط الاستقطاب الدولي".
وأشار إلى أن "الممارسات الإسرائيلية الرعناء أدّت لتصاعد كبير للعنف في الأراضي المحتلة"، مؤكداً "ضرورة مواجهة تصرفات حكومة الاحتلال الممعنة في التطرف والكراهية"، وفق روسيا "اليوم".
وفي كلمته، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إن "السلام العادل والشامل لن يتحقق إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة".
وشدّد على الحفاظ على الهوية العربية لمدينة القدس.
ورحّب ملك الأردن بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، مشيراً إلى أن "الأزمة في سوريا كان ثمنها غالياً".
وقال ملك الأردن إن "منظومة العمل العربي المشترك تستدعي تعزيز التعاون بين دولنا".
ودعا إلى "ضرورة تكثيف اللقاءات بين القادة العرب على أعلى المستويات لتحقيق التكامل الاقتصادي".
وفي كلمته أمام القمة، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
وأشاد عباس بمواقف القادة العرب الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.
وقال الرئيس الفلسطيني إن إحياء الأمم المتحدة ذكرى النكبة يدحض الروايات الإسرائيلية عنها.
وأكد أن الحكومة الفلسطينية تلجأ لكل المحاكم الدولية لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
ووصل الأسد إلى مدينة جدّة الساحلية على البحر الأحمر مساء الخميس لحضور القمة السنوية لجامعة الدول العربية، في أول مشاركة له منذ عُلّقت عضوية دمشق في الجامعة ردًا على قمعها الاحتجاجات الشعبية ضد النظام التي خرجت إلى الشارع في 2011 قبل أن تتحوّل إلى نزاع دام أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص.
وأجرى الأسد لقاء مع نظيره التونسي قيس سعيّد قبل بدء أعمال القمة الجمعة، وبحث معه "العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والتعاون الثنائي في مختلف المجالات"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية الحكومية "سانا".
وكانت قمة سرت في ليبيا في آذار 2010 آخر قمة حضرها الأسد.
وتزينت شوارع جدة الرئيسية بأعلام الدول المشاركة ومن بينها العلم السوري، ورحبت لافتات مضيئة في الشوارع بضيوف "قمة جدّة"، التي وصفتها صحيفة "الرياض" في صفحتها الأولى بأنها "قمة القمم".
وعزّزت السلطات السعودية الإجراءات الأمنية في الطرق المؤدية إلى فندق "ريتز كارلتون" الفخم الذي يستضيف القمة مع بدء توافد القادة العرب الخميس.
وبحلول صباح الجمعة، وصل بالفعل كل من قادة مصر وسوريا ولبنان والعراق والبحرين وتونس وفلسطين واليمن وليبيا وموريتانيا والصومال والجزائر وسلطنة عمان.
وسيكون من أبرز الغائبين الرئيس الإماراتي النافذ الشيخ محمد بن زايد الذي أعلن أنه سيوفد نائبه منصور بن زايد، وفق ما أفادت وكالة أنباء الإمارات الرسمية "وام" الجمعة.
ولا تلقى جهود إعادة الأسد الى الحاضنة العربية ترحيباً من كل الجهات الإقليمية والدولية.
فقد أعلنت قطر أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة دمشق لكنّها أشارت إلى أنها لن تكون "عائقاً" أمام الخطوة التي اتخذتها الجامعة العربية. والخميس، أعلن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في بيان أنه سيترأس وفد بلاده إلى القمة العربية.
وجدّدت واشنطن من جهتها الأربعاء التأكيد بأنها "لا تعتقد أنّ سوريا تستحقّ إعادتها إلى الجامعة العربيّة". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل "لن نعمل على تطبيع العلاقات مع نظام الأسد كما لا ندعم بالتأكيد الآخرين على فعل أيضاً".
وكانت دول عربية، أبرزها السعودية، دعمت المعارضة السورية في سنوات النزاع الأولى وطالبت برحيل الأسد من السلطة، قبل أن تعود لتطبيع علاقاتها مع دمشق أخيراً.
- "قبلة الحياة" للجامعة -
إضافة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، من المتوقّع أن تتصدّر جدول أعمال القمة أزمتان رئيسيتان: النزاع المستمر منذ شهر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمّد حمدان دقلو، والنزاع المتواصل في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات.
وتنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في آذار، إثر قطيعة.
ومذاك، استعادت الرياض علاقاتها الديبلوماسية مع سوريا وكثّفت جهودها الديبلوماسية للدفع نحو السلام في اليمن حيث تقود تحالفاً عسكرياً ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، دعماً للحكومة اليمنية.
ولعبت الرياض أيضاً دوراً مركزياً في عمليات إجلاء مدنيين من السودان حين اندلعت المعارك الشهر الماضي، وتستضيف حالياً ممثلين عن طرفي النزاع من أجل التوصل لهدنة.
وبالإضافة للتحديات الكبيرة التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، سيكون على القمة العربية أن تأخذ في الاعتبار قضايا دولية مثل الحرب في أوكرانيا، على ما كتب الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بالجامعة العربية خالد منزلاوي الأربعاء في صحيفة "الشرق الأوسط".
وقال منزلاوي "لا بدّ من التأكيد أنَّه ستكون هناك حاجةٌ ماسةٌ للتوافق والتضامن بصورة جماعية...(في) هذه المرحلة بالغة الخطورة من تاريخ العالم، التي تشهد إعادةَ رسمِ خرائط العلاقات الدولية".
ويتوافق هذا الطرح مع جهود السعودية الراهنة لتنويع تحالفاتها الدولية، مع توثيق العلاقات مع الصين وتعزيز التنسيق مع روسيا حول السياسات النفطية، مع محاولة الإبقاء على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، شريك المملكة الأمني منذ عقود.
وتقول الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية في القاهرة رابحة سيف علام لوكالة "فرانس برس" إنّ العالم في "لحظة دولية تشهد انسحاب القوى الكبرى من المنطقة وانشغالها بحرب روسيا"، ما تعتبره "قُبلة حياة للجامعة لتقوم بدورها كمحطة تنسيق للجهود الإقليمية لحل النزاعات في المنطقة".
ويقول توربيورن سولتفيدت من شركة فيرسك مايبلكروفت الاستشارية إن القمة الناجحة ستشمل من وجهة نظر الرياض، التزامات ملموسة من سوريا بشأن قضايا من بينها ملف اللاجئين وتجارة الكبتاغون.
ويُعدّ تهريب المخدرات أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة لدول خليجية وخصوصاً السعودية التي باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
لكن المحلل يشير الى أن قمم جامعة الدول العربية "اتسمت في كثير من الأحيان بالخلاف الداخلي وعدم الحسم"، مضيفًا "بالتالي، فإن معيار النجاح سيكون منخفضا".
وأفيد أن مسودة البيان الختامي للقمة العربية تشمل 32 بنداً لمختلف القضايا الملحّة، منها:
- تأكيد ضرورة تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين
- ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة لحل الأزمة السورية
- الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها'
- انتخاب رئيس للبنان في أسرع وقت
- رفض أي تجزئة للأراضي الفلسطينية
- إدانة الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني
- دعوة واشنطن إلى تنفيذ حل الدولتين
- التمسك بمبادرة السلام العربية لحل القضية الفلسطينية.