اعتبر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أنّ ما وصفه بـ"البرص السياسيّ" في لبنان "يصبح أكثر فأكثر خطرًا على الهويّة اللبنانيّة والكيان، والسبب الأساسيّ هو ضرب رأس الدولة برفض المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهوريّة ضنًّا بالمصالح الفرديّة والفئويّة، وحفاظًا على مشاريع تورّط لبنان وانتخاب رئيسه أكثر فأكثر في اللعبة الإقليميّةِ والدولية. فلا يأتي الرئيس الجديد تعبيرًا عن إرادةِ الشعب اللبناني، إنما تعبيرًا عن مشاريعَ متناثرةٍ في الشرقِ الأوسط الذي لا يَعرف أحدٌ حقيقتَها وأين ستستقِرّ رغم جميع المفاوضاتِ بشأنه منذ ثلاثين سنة". ورأى أن "هذا هو الخطر الكبير على مصير الأمّةِ اللبنانيّة ودولةِ لبنان. ونأمل أن تُثمُرَ المفاوضاتُ الجاريةُ في هذه الأثناء بين أصدقاءِ لبنان عن حلٍّ يأخذُ مصلحةَ لبنان بشكلٍّ مستقلٍ عن تسوياتِ الشرق الأوسط".
وتساءل الراعي في قداس الأحد: "لماذا يسعى الأطرافُ اللبنانيّون إلى آليّات غيرِ دستوريّةٍ وغيرِ لبنانيّةٍ طالما لدينا آليةٌ دستوريّةٌ تُغنينا عن أبحاثٍ لا طائلَ منها؟ فمهما طالَ زمنُ الشغورِ الرئاسي ــــ شهورًا أو سنواتٍ ــــ لا بد من أن تجري العمليّةِ الانتخابيّةِ لرئاسةِ الجُمهوريّة من خلال آليّةِ الاقتراع في المجلس النيابي. فلماذا الانتظار؟".
واعتبر أن "المشكلة هي أنَّ كلَّ فريقٍ يَرفض أيَّ تنازلٍ لتسهيلِ انتخابِ الرئيس لأنه يَظنُّ نفسَه هو الذي سينتصرُ من خلال "خارج الدستور" والمؤتمرات. وحين يَظنُّ الجميعُ أنَّ كلَّهم منتصرون يَعني أنَّ كلَّهم مهزومون، والخاسرُ هو لبنان وشعبه". وأضاف: "هناك انتصاراتُ وهميّةٌ لها طعمُ الهزائمِ أكثر من الهزائم الفعليّةِ. إذا استمر هذا المنطقِ، الخالي من روحِ المسؤوليّةِ ومن صوتِ الضميرِ ومن نداءِ الواجبِ الوطنيِّ، نخشى أن تطولَ مدّةُ الشغورِ الرئاسي كما تُشير غالِبيّةُ المعطيات".
وتابع: "إنّ المجتمعاتِ الدوليّةِ تعجب من الوضعِ اللبناني. فهي ترى شعبًا قويًّا مثقّفًا قد وَضعَ أوَّل نظامٍ ديموقراطي منذ مئة سنة، وانتخب أوّلَ رئيسٍ للجُمهوريّةِ في الشرق، ويعيدُ اليومَ بناءَ ذاته من دونِ دولة. إنّ الجماعة السياسيّةَ ليست لهذا الشعبِ الحيِّ ولهذا النظامِ الديموقراطيِّ، بل إنّ هذين الشعب والنظام ليسا لهذه الجماعة".
وأشار الراعي إلى "وجه آخر من البرص السياسيّ بادٍ في طريقة معالجة موضوعي المصارف والمودِعين في ظلِّ الصراعات الشخصيِّة والسياسيّة التي تنذر بنتائجَ عكسيّةٍ تُطيحُ بالأخضرِ واليابسِ في نظامِ المصارف وتَقضي على سُمعةِ لبنان النقديّةِ الخارجيّة، فيصبح لبنان دولةً خارجَ النظامِ الماليِّ العالمي، وحينها لا فائدةَ من أيِّ علاج. فالشعوبيّةُ والحِقدُ أخطرُ سلاحين في وضعِنا الماليِّ الحالي".
وأضاف: "نُحذِّرُ مِن المساس من جهةٍ بأموالِ الشعب، ومن جهة أخرى بالنظامِ المصرفي اللبناني، لاسيّما مصرفِ لبنان المركزيّ الذي هو الرابط بين لبنان والنظام المالي الدوليّ إنَّ موضوعًا بهذه الأهميّةِ لا يُعالج بمثلِ هذه الظروف حيث لا يُعرفُ الخيطُ القضائيُّ من الخيطِ السياسيِّ ومن الخيطِّ الشخصي".
من جهة ثانية، قال الراعي إن "البرص الاجتماعيّ بادٍ كذلك في الأزمة الاجتماعية والمعيشية والطبيّة، إنَّ غالِبيّةَ الموادّ التي يُدّعى أنها مفقودة ويُعمَلُ على استيرادها، موجودة في لبنان وقيدَ الحجز لدى العديد من المستوردين ولا يوزعوها على الأسواق إلا مع رفعِ الدعم عنها وارتفاعِ سعر الدولار. لذلك ننتظر تحرّكًا سريعًا من أجهزة الدولة لأن هناك أناسًا يموتون – بكل معنى الكلمة- بسبب حجب هذه الموادّ عنهم، وبخاصةٍ المواد الطبيّة. فهل الضميرُ مفقودٌ لدى جميعِ المعنيّين بكلِّ قطاعاتِ الحياة في لبنان؟".
في سياق منفصل، اعتبر الراعي أنّه "لا يمكن متابعة العيش في هذا الجوّ من الفلتان الأمنيّ"، مشيراً إلى "اختطاف واغتيال الشيخ أحمد الرفاعي، رغم سهر الأجهزة الأمنيّة عليه".