في ظل انتشار مشاهد النهب والسيارات المحترقة والمباني العامة ذات الواجهات المهشمة، تحاول الحكومة الفرنسية احتواء العنف بعد ليلة ثالثة من أعمال الشغب والتخريب، لكنها لم تذهب الجمعة إلى حد إعلان حال الطوارئ التي طالب بفرضها بعض السياسيين.
اندلعت أعمال الشغب والعنف في عدة مدن فرنسية إثر انتشار شريط فيديو صور مقتل الفتى نائل البالغ 17 عامًا برصاص شرطي أثناء تدقيق مروري في نانتير. وشهد عدد من المدن الفرنسية، في منطقة باريس وفي المحافظات، أعمال التخريب التي يقف وراءها في أكثر الأحيان شبان صغار في السن.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اختصر زيارة لبروكسل الجمعة لعقد ثاني اجتماع أزمة لوزرائه، أعلن عن نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، فيما أعلنت رئيسة الحكومة عن نشر مركبات مدرعة.
وقال في خلال اجتماع الأزمة إن وزارة الداخلية ستعمل على حشد "وسائل إضافية" للتعامل مع الاحتجاجات العنيفة، منددًا "بالاستغلال غير المقبول" لمقتل الفتى، وداعيًا منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب "الحساسة".
قالت منية، والدة نائل، لقناة فرانس 5، إن الشرطي "رأى فتى عربيًا، فتى صغيرًا، ورغب في التخلص منه".
في جنيف، طلبت الامم المتحدة الجمعة من فرنسا معالجة مشاكل العنصرية والتمييز العنصري في صفوف قوات الأمن.
وقالت رافينا شمداساني الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان خلال مؤتمر صحافي في جنيف "ندعو السلطات على الدوام لضمان أن تحترم الشرطة لدى استخدامها القوة مبادئ المساواة والضرورة والتناسب وعدم التمييز والحذر والمساءلة، لدى تعاملها مع العناصر المسببة للعنف خلال التظاهرات".
لكن ماكرون قال إن هناك "استغلالًا غير مقبول لوفاة فتى مراهق، وهو ما نشجبه جميعًا عندما ينبغي أن تكون هذه الفترة للتعبير عن التعاضد والاحترام"، ودان من يستغلون الوضع وكذلك مفتعلي "أعمال العنف البحتة التي لا مبرر لها وهي لا تتسم بأي شرعية".
ورحب ماكرون بالاستجابة "السريعة والمناسبة" للشرطة، وأعلن أن وزارة الداخلية ستنشر "موارد إضافية". وقال "تم اتخاذ القرار بإلغاء العديد من الاحتفالات والتجمعات في الدوائر الأكثر حساسية".
ودعا رئيس الجمهورية "الأهل إلى التحلي بالمسؤولية". وقال "من الواضح أن الوضع الذي نعيشه، كما نرى، هو نتيجة جماعات منظمة وعنيفة ومجهزة في بعض الأحيان، ونحن ندينها ونوقفها وستُقدم للعدالة، ولكن، هناك أيضًا عدد كبير من الشباب. ثلث المعتقلين في الليلة الماضية هم من الشباب، وبعضهم صغار جدًا".
وتابع "تقع على عاتق الوالدين مسؤولية إبقائهم في المنزل... الجمهورية ليست مكلفة أن تحل محلهم".
كما قال إنه يتوقع من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية أن تتحلى "بروح المسؤولية" مشيرًا على وجه الخصوص إلى سنابتشات وتيك توك حيث تُنظم "تجمعات عنيفة ... تبعث على نوع من محاكاة العنف، مما يؤدي إلى قيام الأصغر سنًا بالتصرف بعيدًا من الواقع".
وقال ماكرون "نشعر أحيانًا بأن بعضهم يمثل في الشارع ما يحدث في ألعاب الفيديو التي سممتهم".
وقال إنه سيتم "حيثما كان ذلك مفيدًا ومتى كان ذلك مفيدًا، طلب الحصول على هوية أولئك الذين يستخدمون هذه الشبكات الاجتماعية للدعوة إلى الفوضى أو تكثيف العنف".
أوقفت الشرطة منذ ليل الخميس نحو 900 شخص بينهم نحو 400 في باريس وضواحيها. وأصيب نحو 250 شرطيًا بجروح خلال الليل.
- إعادة النظام -
إثر الاجتماع الحكومي، أعلنت بورن نشر عربات مدرعة للدرك للتعامل مع أعمال العنف. وقال مكتبها لوكالة فرانس برس إنه سيتم ايضا نشر "قوات متنقلة اضافية"، مؤكدًا الغاء "فعاليات واسعة النطاق قد تشكل مخاطر على النظام العام وفق الظروف".
وفي سياق ردود الفعل، عبرت برلين عن "قلقها" لكنها أشارت إلى أن السلطات الفرنسية "دانت بوضوح" مقتل نائل. فيما دعت بريطانيا مواطنيها إلى توخي الحذر مع استمرار أعمال الشغب في فرنسا.
قبالة متجر لبيع الأحذية وسط العاصمة الفرنسية قال إيفان "هذه أول مرة منذ 25 عامًا أشهد به شيئًا مثل هذا"، مشيرًا إلى الواجهات المحطمة والأحذية التي نُهبت من متجره وكذلك من متجر رياضي آخر شهير على بعد أمتار قليلة منه.
صباح الجمعة شجبت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن ما وصفته بأنه "لا يُغتفر". وقالت إن كل الاحتمالات مطروحة لإعادة "النظام الجمهوري".
وقال ماكرون إنه مستعد من جانبه لتكييف أجهزة حفظ النظام من دون استبعاد "إي محرمات".
فُرضت حال الطوارئ التي تسمح للحكومة باتخاذ تدابير استثنائية مثل منع التجول في تشرين الثاني 2005 بعد 10 أيام من أعمال شغب في الضواحي اندلعت إثر وفاة اثنين من المراهقين صعقا بالكهرباء بعد اختبائهما هربا من الشرطة.
أصيب نائل الثلثاء برصاصة قاتلة في صدره أطلقها شرطي من مسافة قريبة أثناء تدقيق مروري. ووُجهت إلى الشرطي الموقوف البالغ 38 عامًا تهمة القتل العمد.
وتصاعدت أعمال الشغب وامتدت إلى مدن جديدة ليل الخميس الجمعة. وأحصي إصابة 492 مبنى بأضرار وإحراق 2000 سيارة وإضرام 3880 حريقًا في الشوارع، وفقًا للأرقام الرسمية.
واستُهدفت مدارس ومراكز للشرطة البلدية ومراكز تابعة للبلديات ومراكز اجتماعية وحافلات وعربات الترام.
- اعتذار من الشرطي -
وفي ضاحية سين سان دوني، الأفقر شمال شرق باريس، لم ينج أي حي تقريبًا من أعمال التخريب، وفق الشرطة، مع استهداف العديد من المباني العامة.
وقال مصدر في الشرطة إن مثيري الشغب استخدموا شاحنة في درانسي لاقتحام مركز تسوق تعرض للنهب والحرق.
وفي باريس نفسها، نهب نحو أربعين متجرًا وفقًا لمكتب المدعي العام. وقال ضابط في الشرطة إن المتاجر في وسط المدينة "تعرضت للتخريب" أو "النهب أو الحرق".
وقررت ثلاث مدن على الأقل بالقرب من العاصمة الخميس فرض حظر التجول.
ومنذ مساء الخميس، أعلنت الحكومة نشر 40 ألفًا من رجال الشرطة والدرك، بما في ذلك 5000 في باريس، مقابل 2000 في الليلة السابقة.
وأثارت القضية الجدل من جديد بشأن إجراءات إنفاذ القانون في فرنسا، حيث تم تسجيل 13 حالة وفاة في عام 2022 بعد رفض الامتثال لأوامر الشرطة.
وقالت منية والدة نائل "لا ألوم الشرطة، أنا ألوم شخصًا واحدًا: الشخص الذي قتل ابني".
وتقدم الشرطي المحتجز بالاعتذار من عائلة الفتى حسب محاميه الذي أكد أن موكله لم يرغب "بالقتل".