أبرم لبنان وإسرائيل رسمياً اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما بعد أشهر من مفاوضات مضنية بوساطة واشنطن وخشية من توتر أمني، وقد سلما الإحداثيات الجغرافية الجديدة للأمم المتحدة بحضور الوسيط الأميركي.
والاتفاق عبارة عن تبادل رسائل الموافقة على نص الاتفاق، بين لبنان والولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية، فضلاً عن رسائل تتضمن إحداثيات جديدة لخط الحدود تسلم إلى الأمم المتحدة.
الوفد الإسرائيلي في رأس الناقورة (أ ف ب).
وقد أفل اليوم التاريخي الطويل بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الترسيم باكتمال المراسم في منطقة رأس الناقورة حيث رسمت الصورة الشكلية لاخراج الاتفاق.
في السياسة، قطف رئيس الحكومة الاسرئيلية يائير لابيد اللحظة للتأكيد على أن الاتفاق يمثّل اعتراقاً من لبنان بـ"دولة اسرائيل"، في حين كان رئيس الجمهورية ميشال عون يدحض من بيروت أي أبعاد سياسية للاتفاق، ويحصره في الشق التقني. فيما هنأ الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الطرفين على إنجاز الاتفاق "التاريخي"، معتبراً أنه يحقق مصالح الطرفين، ويفتح الطريق أمام منطقة "أكثر ازدهاراً واستقراراً". وتعهد بمواصلة الولایات المتحدة العمل كـ"مسھ ِّل فیما یعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتھما وتنفیذ ھذا الاتفاق".
على خط "حزب الله"، اعتبر الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إنجاز ملف ترسيم الحدود "انتصاراً كبيراً للبنان"، لافتاً إلى أن "مع تسليم وثائق الموافقة على التفاهم تنتهي مهمة "المقاومة" في الملف، إضافةً إلى كل التدابير الخاصة والاستنفار".
من جهتها، رحبت اليوم المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا بـ"تسليم الرسائل المتعلقة بترسيم الحدود البحرية".
واعتبرت فرونتسكا بعد تسلمها الإحداثيات البحرية الموقعة من كلا البلدين في مقر اليونيفيل في الناقورة أنّه "إنجاز تاريخي على مستويات عدّة"، آملةً أن يكون "بمثابة خطوة لبناء الثقة من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتأمين المنافع الاقتصادية لكلا البلدين".
وستقوم المنسقة الخاصة بإيداع وثائق الترسيم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
ولفتت إلى أن "الاتفاق يفتح صفحة جديدة للبنان بما قد يساعد على خلق زخم إيجابي لبناء توافق حول المصلحة الوطنية للبلاد".
بدروه، أكّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه يؤمن "بشدّة" بأن الاتفاق يمكنه تعزيز الاستقرار في المنطقة وإشاعة "مزيد من الازدهار بالنسبة إلى الشعبَين اللبناني والإسرائيلي".
وسلّم أعضاء الوفد اللبناني في الناقورة الرسالة الرئاسية إلى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، كما سلّم ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة رسالة وقعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، تتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية لإيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتبعة في قانون البحار.
وغادر الوفد الناقورة متوجّها إلى بعبدا لتسليم عون المستندات الرسمية.
وضم الوفد مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير والعميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى القوات الدولية، وسام شباط عضو هيئة إدارة النفط وأحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية.
كما وصل الوفد الإسرائيلي إلى رأس الناقورة، وذلك لنقل موافقة الحكومة على اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان وتسليمها لوكشتاين.
وإلى ذلك، حضر هوكشتاين أيضاً لتسلّم موافقات الطرفين.
استنفار عسكري
وشهدت المنطقة الحدودية الجنوبية استنفاراً أمنياً من الجهة اللبنانية والجهة الإسرائيلية. إذ تجوب دورياتٌ لقطعٍ بحرية تابعة لليونيفيل وللجيش اللبناني شاطىء الناقورة في هذه الأثناء، وصولاً إلى الحدود لجهة العلامات البحرية في رأس الناقورة.
توازياً، جابت زوارق حربية إسرائيلية بالقرب من العلامات البحرية للحدود، وسط إجراءاتٍ أمنية مكثفة يتخذها الجيش وقوات اليونيفيل في المنطقة.
كما سُجّل استنفار عسكري برّي أيضاً.
وأفاد مسؤول إسرائيلي كبير، حضر مراسم التوقيع بأنّ الوفدين دخلا الخيمة في مقر الأمم المتحدة في الناقورة من مدخلين متقابلين.
وقّدم كل وفد للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين نسخته من الاتفاق الذي وقعه رئيسه.
كذلك، قدّم كل وفد إلى ممثلي الأمم المتحدة وثيقة بالإحداثيات الجديدة للحدود البحرية المتفق عليها لإيداعها في المنظمة الدولية.
ونقل الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد عن المسؤول الإسرائيلي، قوله إنّ هوكشتاين قام بفحص الوثائق التي قدمها الطرفان ثم وقعها بنفسه. وأضاف أنّه بعد توقيع هوكشتاين دخل الاتفاق حيز التنفيذ.
وأشار المسؤول الإسرائيلي إلى أنّ الوفد اللبناني لم يتعامل مع الجانب الإسرائيلي ولم يتصافحا. وفي ختام المراسم قال هوكشتاين: "مبروك لدينا اتفاق". عندها وقف الوفدان وصفقا.
الصور من وكالة "أ ف ب".
وصادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع #لبنان قبيل ساعات على توقيعه رسميّاً في الناقورة.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير #لابيد أنّ لبنان "اعترف" بدولة إسرائيل من خلال موافقته على الاتفاق الترسيم مع إسرائيل بوساطة أميركية. وقال لابيد، في مستهل اجتماع مجلس الوزراء الخاص بالموافقة على الاتفاقية، إنّ "هذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره".
وقال: "إسرائيل حقّقت إنجازاً اقتصاديّاً بعد بدء ضخ الغاز من حقل كاريش، كما سنحصل على 17% من غاز حقل قانا".
عون متسلماً الرسالة من هوكشتاين. (تصوير نبيل اسماعيل)
سلّم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الرئيس عون الرسالة الأميركيّة الرسميّة بحضور أعضاء الوفد المفاوض مع الجانب الأميركي.
وأكد عون أنّ "إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية عمل تقني ليست له أيّ أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".
وبعد توقيع رسالة تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية، رأس عون اجتماعاً لأعضاء الوفد المغادر إلى الناقورة والذي ضم المدير العام الرئاسة أنطوان شقير ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العاملة في الجنوب العميد منير شحادة، وعضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط، ورئيس مركز الاستشارات القانونية في وزارة الخارجية احمد عرفة، وزودهم بتوجيهاته.
وهنأ الرئيس الأميركي بايدن كل من لبنان واسرائيل على انجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية، الذي كرّر وصفه بـ"التاريخي".
ورأى أن الاتفاق يؤمن مصالح الطرفين، ويفتح الطريق أمام منطقة "أكثر استقراراً وازدهاراً".
وقال بايدن في بيان: "أنا فخور بأن أھنئ إسرائیل ولبنان على إبرام اتفاقھما رسمیًا من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده. لقد اتخذ الطرفان الیوم في الناقورة- لبنان الخطوات النھائیة لدخول الاتفاق حیز التنفیذ، وتم تقدیم الأوراق النھائیة إلى الأمم المتحدة بحضور الولایات المتحدة."
وأضاف: "كما قلت عندما تم الإعلان عن ھذا الاتفاق التاریخي، فإن سیؤمن مصالح كل من إسرائیل ولبنان، ویمھد الطریق لمنطقة أكثر استقرا ًرا وازدھا ًرا".
وتعهد بمواصلة الولایات المتحدة العمل كـ"مسھ ِّل فیما یعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتھما وتنفیذ ھذا الاتفاق".
وشدد أنه لا ینبغي أن "تكون الطاقة - خاصة في شرق المتوسط - سببًا للصراع، بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدھار"، معتبراً أن ھذه الاتفاقیة "تقربنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملاً وازدھا ًرا، ما سوف یوفر منافع لجمیع شعوب المنطقة".
من جهتها، اعتبرت السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو أنّ فرنسا، "بفضل الانخراط المباشر لرئيس الجمهورية في المقام الأول، قد ساهمت في هذا النجاح"، مؤكّدة أنّه "اتفاق تاريخي وخطوة كبيرة نحو الأمام من أجل استقرار المشرق، وهذه مسألة بالغة الأهمية بالنسبة إلى كافة بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، بما فيها فرنسا، ومن أجل أمن إسرائيل ولبنان، هاتین الدولتين الصديقتين لفرنسا. وهو، إذ يسمح باستثمار الموارد الغازية البحرية، سوف يساهم أيضأ في الازدهار لصالح الشعبين اللبناني والإسرائيلي".
ورأت غريو أنّ "الاتفاق لا يضع حدّاً للأزمة التي تعصف بشدة بلبنان اليوم، فاستثمار الموارد النفطية على المدى المتوسط، علماً أن حجمها غير معروف اليوم، لا يكفي لمعالجة هذه الأزمة. وهذا الاتفاق لا يحل محل الإصلاحات الاقتصادية والمالية الضرورية جداً ولا الاستقرار المؤسساتي الذي يتطلبه الوضع اللبناني".
وأضافت: "يبقى، على الرغم من ذلك، أن هذا الاتفاق يشكل مثالاً يحتذى في منطقة غالباً ما تم فيها تفضيل خيار اللجوء إلى النار والدم لتصفية الخلافات. وهو يثبت أن الحوار والتفاوض، على الرغم من متطلباتهما وصعوبتهما، يستطيعان أن يؤتيا ثماراً وينتجا اتفاقات تعود بالفائدة على الطرفين".
وتابعت: "في هذا الطريق الصعب ولكن الضروري جداً للاقتراب من السلام في الشرق الأوسط الذي يبقى أفقاً لعمل فرنسا الديبلوماسي وعمل شركائها، تبقى فرنسا على التزامها. ونحن نتمنّى، مع ما يحمل هذا التمنّي من أمل ووعي، أن يساعد الاتفاق الموقَّع اليوم على تجاوز الأزمات، في لبنان والمنطقة".
"إنرجيان"
وعشية التوقيع، أعلنت شركة إنرجيان بدء إنتاج الغاز من حقل كاريش البحري الإسرائيلي. وأشارت إلى أن "تدفق الغاز يتزايد باطراد".
وبموجب الاتفاق، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
واعتبر الوسيط الأميركي الأسبق فريدريك هوف أن الهدف من الاتفاق "استبعاد احتمال نشوب حرب بحرية" بين الطرفين. وكان لبيد اعتبر سابقاً أن التفاهم يبعد إمكانية اندلاع حرب مع حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل الذي كان هدد بتصعيد عسكري في حال أقدمت إسرائيل على أي نشاط في حقل كاريش.