طالب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال عظة الأحد بمواصلة المحقق العدليَّ القاضي طارق بيطار التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وقال: "أين العدالة التي هي أساس الملك، والقضاة في حرب داخليّة؟ قضاةٌ ضِدَّ قضاةٍ، وصلاحيّاتٌ ضِدَّ صلاحيّات، وأحقادٌ ضدَّ أحقاد. لم يَعرف لبنانُ في تاريخِه حرباً قضائيّةً أذَلّت مَكانةَ القضاء وسُمعةَ لبنان وحَوّلت المجموعاتِ القضائيّةَ ألويةً تَتقاتل في ما بينها غيرَ عابئةٍ بحقوقِ المظلومين والشعب. هل حقًّا كان الخلافُ على الموادِّ القانونيّةِ أم على الموادِّ المتفجِّرةِ لتعطيلِ مسارِ التّحقيق في جريمة تفجير المرفأ؟ وإذ يؤلمنا ذلك، نرجو أن يواصل المحقِّقُّ العدليَّ القاضي طارق بيطار عملَه لإجلاءِ الحقيقةِ وإصدارِ القرارِ الظنّي والاستعانةِ بأي مرجِعيّةٍ دوليّةٍ يمكن أن تساعدَ على كشف الحقيقة وأمام ضمائرنا 245 ضحيّة وخراب بيوت نصف العاصمة ومؤسّساتها. وما يؤسفنا أكثر أنْ نرى فِقدانَ النصابِ يطال اجتماعاتِ الهيئاتِ القضائية، فَيُقدِمُ قضاةٌ ومُدّعون عامِّون على تخطّي مجلسِ القضاءِ الأعلى ورئيسِه ويَمتنعون عن حضوِر الاجتماعات. وهذا غير مقبول! فللقضاء آليّته وتراتبيّته".
ولفت إلى أنّ "مقدّمة الدستور اللبنانيّ تنصّ على أنّ (الشعب هو مصدر السلطات، ويمارسها بواسطة المؤسّسات). بموجب هذا القول كلّ أصحاب المسؤوليّة في المؤسّسات الدستوريّة موكّلون من الشعب. فنراهم على العكس وبكلّ أسف أعداء الشعب. لقد فقّروه وجوّعوه ومرّضوه حرموه من حاجاته وحقوقه الأساسيّة للعيش؛ منعوا عنه الخبز والغذاء؛ أماتوه بغلاء الدواء والطبابة. وفوق ذلك حرموه العدالة بتسييس القضاء؛ جعلوه كخراف لا راعي لها. كلّ ذلك بأحجامهم عن إنتخاب رئيس للجمهوريّة. وهذا هو باب الفلتان والفوضى في حكم المؤسّسات".
وسأل: "فأين مجلس النوّاب الذي أضحى هيئة ناخبة، ويحجم عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، قاطعاً من جسم الدولة رأسها؟ ألم يحن الوقت ليجتمع نوّاب الأمّةِ في المجلس النيابي، ويختاروا الرئيس المناسب والأفضل بالنسبة إلى حاجات البلاد وشعبها؟ وإذ نشجّع مبادرة النواب المجتمعين في قاعةِ المجلسِ للضغطِ من أجلِ انتخابِ رئيسٍ، نتمنى أن يَكتملَ العددُ حتّى النصابِ وتَتمَّ العمليةُ الانتخابيّة. والرئيسُ المناسب والأفضل هو الذي يُعيد اللبنانيّين إلى لبنان مع الاستقرار والازدهار. ولا يغيب عن بالنا أنَّ تحدّيات إقليميّةً ودوليّةً تحاصر لبنان برئيسه وحكومته، فالمنطقة على مفترق أحداث خطيرة للغاية ويصعب التنبّؤ بنتائجها وانعكاساتها على لبنان".
وأكّد أنّه "من جِهتنا ككرسيٍّ بطريركيٍّ نواصل الاتَصالات والمساعي للدفعِ نحو انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بالتنسيق الوثيق مع سائر المرجِعيات الروحيّةِ والسياسيّةِ آملين التوافق مع جميع شركائنا في الوطن. فرئيسُ الجمهوريّةِ وإن كان مارونيًّا ليس للموارنةِ والمسيحيّين فقط، بل لكلِّ اللبنانيّين. ونودّ أن يكون اختيارُه ثمرةَ قرارٍ وطنيٍّ ديموقراطي. فالمرحلةَ المقبلةَ هي مرحلةُ انتشالِ لبنان من الانهيارِ وإعادتِه إلى ذاتِه وهُويّته في نطاق الكيانِ اللبناني".
وختم: "نستطيع القول إنّ الدولة بمؤسّساتِها وأجهزتِها، تبذلُ قصارى جُهدِها لتخسِرَ ثقةَ المواطنين بها ولتدفَعَهم إلى الثورةِ المفتوحة. لمصلحةِ مَن هذا المخطّط؟ والأخطرُ أنَنا نرى البلادَ اليومَ تَسودُها الأجهزةُ الأمنيّةُ والعسكريّةُ في غيابِ أيِّ سلطةٍ سياسيّة ودستوريّة وأي رقابة حكوميّة. فأين الحكومة التي تدّعي أنها تَملِكُ الصلاحيّاتِ لتَحْكم؟ وأين السلطة التي تحمي المواطنين والشرعيّة؟"، معتبراً أنّ "هذا كلّه نتيجة عدم انتخاب رئيس للبلاد. فحيث يغيب الرأس يتبدّد الجسم كله. لا يريدون تصديق ذلك. إلا اذا كان عدم انتخاب الرئيس مقصوداً".