النهار

المطران عودة في ذكرى انفجار المرفأ: هل يجوز أن تمرّ بلا محاسبة جريمة دمّرت العاصمة وأصابت الآلاف؟
المصدر: "النهار"
المطران عودة في ذكرى انفجار المرفأ: هل يجوز أن تمرّ بلا محاسبة جريمة دمّرت العاصمة وأصابت الآلاف؟
ميتروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عوده.
A+   A-
لفت ميتروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عوده إلى أنّ بَـعْـدَ أَيَّـامٍ قَـلـيـلَـةٍ تَـحِـلُّ الـذِّكْـرى الـثَّـالِــثَــةُ لِـلـحَـدَثِ الأَلـيـمِ الـدَّمَــوِيِّ الَّـذي أَصـابَ قَـلْـبَ الـعـاصِـمَـةِ بَـيـروت، فَــقَــتَــلَ ودَمَّــر وشَــرَّدَ وهَــجَّــرَ".
 
وقال: "الــرَّابِـعُ مِـنْ آب 2020 ذِكْـــرى لَــنْ تَـغــيــبَ عَــنْ وجــدانِ أَيِّ لُـبْـنـانِـيٍّ أَيْــنَـمـا حَــلّ، فـكـيـف بـأبـنـاءِ بـيـروت الـذيـن دَفَـعــوا مِـنْ أرواحِـهــم وفَــلَــذاتِ أكـبـادِهـم وأمـلاكِـهـم ثَـمَــنَ جـريـمـةٍ لا يَـرتـكـبُـهـا مَـنْ فـي صـدرِه قـلـبٌ لَـحـمـيٌّ يَــنــبُــضُ بـالإنـسـانـيـة، أو مَــنْ يَـحـمِــلُ ضـمـيـراً واعـيـاً يَــدُلُّــه عـلـى الـخـيـرِ ويَــردَعُــه عَـنْ كُـلِّ شَـرٍّ وأذى. سَـتَــبْــقَـى هَـــذِهِ الــذِّكْـــرى شَــوْكَــةً تَــنْــخَــزُ ضَـمـائِـــرَ الـمَـسـؤولـيـنَ عَـنـهـا، الَّـذيـنَ سَـبَّــبــوهـا، والـذيـن عَــلِـمـوا بـإمـكـانـيـةِ حُــدوثِـهـا ولَـمْ يَــمْــنَـعـوهـا، والَّـذيـنَ لَـمْ يـتَـحَــرَّكـوا بَـعْـــدَ وُقـــوعِــهــا، والَّـذيــنَ وَعَـــدونـا بِـإِنْـجـازِ الـتَّـحـقـيـقِ فـي أَسْـــرَعِ وَقـــتٍ، وقـد مَـرَّتْ الـسَّـنَـواتُ ولا نَـــزالُ نَــنْــتَــظِــرُ عـلـى الأَطْـلال".
 
وأضاف: "صَـحـيـحٌ أَنَّ الـنَّـاسَ تـابَـعـوا حَـيـاتَـهـم، لَـكِـنَّ ذَلِـــكَ لا يَـعـنـي أَنَّ شِـفـاءَ نُــفــوسِــهِــم وأَجـســادِهِــم وقُـلـوبِـهِـم قَـــدْ تَــمّ. شَـعْـــبُــنـا قَــوِيٌّ، ويُــقَــدِّسُ الـحَـيـاة، لَـكِـنَّـهُ فـي الـوَقـتِ نَـفْـسِـهِ لا يَـنـسـى أَحِـبَّـاءَهُ الَّـذيـنَ فَــقَــدَهُـم فـي لَـحْـظَـةِ غَــدْرٍ، عِـنْـدَمـا كـانـوا فـي أَمـانِ مَـنـازِلِـهِـم، أَوْ فـي سَـيَّـاراتِـهِـم، أَو فـي مَـراكِـــزِ عَــمَـلِـهِـم، كَـالـمُــمَــرِّضـاتِ الـبـاسِـلاتِ الـلَّـواتـي يَــفْــتَــقِــدُهُـــنّ مُـسْـتَـشــفــى الـقِـــدِّيــسِ جـاورجـيـوس الـجـامِـعِـيُّ، وسِـواهُـــنَّ مِـنَ الأَبْـطـالِ الَّـذيـنَ قَــدَّمـوا أَرواحَـهُـم بِـشَـجـاعـةٍ، ونَـخُـصُّ بِـالـذِّكْـرِ مِــنـهُــم أَفْــرادَ فَــوجِ إِطـفـاءِ بَـيـروت".
 
وتابع: "هَـــذا الـشَّـعــبُ الــقَــوِيُّ يُـطـالِــبُ بِـإِحْـقـاقِ الـحَــقِّ، وبِـأَنْ تَـأخُــذَ الـعَــدالَـةُ مَــجْــراهـا، وتُــرْفَـعَ الـحَـصـانـاتُ لِــيُـحـاسَـبَ كُــلُّ مُـرْتَـكِــبٍ ومُـهْــمِــلٍ، كـائِـنًـا مَـنْ كـان، عَــلَّ ذَلِـكَ يَـكـونُ درسـاً لـكـلِّ مَـنْ تُـســـوِّلُ لـه نَــفْــسُـه ارتـكـابَ جـريـمـةٍ مُـمـاثـلـة، وخُـطْــوَةً تُـــبَـــرِّدُ قُـــلـوبَ كُــلِّ الَّـذيـنَ خَـــسِــروا أَحِــبَّــاءَهُـــم، ومُــمْــتَــلَــكـاتِـهِـم، وجَــنـى أَعْــمـارِهِـم، أو أُصـيــبــوا فـي أجـسـادِهـم. كــلُّ هـــؤلاء يـنـتـظـرون اسـتـكـمـالَ الـتـحـقـيـقِ وكَــشْــفَ الـحـقـيـقـةِ وإنــزالَ الـعــقـابِ بِــمَــنْ أنـزلَ بهـم هذا الضـررَ الجسيم. لـكــنَّ الـمُـحـزِنَ أنـهـم هـم الـذيـن يُـعـاقَـبـون إمـا بـإعـاقـةِ الـتـحـقـيـقِ أو بـإخـفـاءِ الـحـقـيـقـةِ أو بـإسـكـاتِـهـم وقَــمْـعِــهـم وملاحَـقَــتِـهم".
 
وسأل عوده: "هــل هــذه هـي الـعـدالةُ الـتـي يَــطـمـحُ إليها كــلُّ إنسان؟ هــل هــكـذا تُـعـالَـج جـريـمـةٌ بـحجـمِ عاصمـة؟ كـيـف يَـشـعــرُ الـمـواطـنُ بـالأمـانِ بِـلا قـضـاءٍ عــادلٍ وبِـلا مُـحـاسـبـةِ الـمُـجـرمـيـن؟ هـل يَـجـوزُ أنْ تَـمُـرَّ بِـلا مُـحـاسَـبَـةٍ جـريـمـةٌ دَمَّـرَتْ الـعـاصـمـةَ وأصـابـتْ الآلاف؟ حـيـثُ لا مـحـاسـبـةَ لا أمـانَ ولا انـضـبـاطَ ولا اسـتـقــرار".
 
وأردف عوده: "سـوفَ نُـصَـلِّـي الـيَـوْمَ مَـعـاً مِـنْ أَجْـلِ راحَـةِ نَـفْـسِ كُـلِّ مَـنْ سَـقَـطَ ضَـحِـيَّـةَ الــتَّــفـجـيـرِ الآثِــم، ومِـنْ أَجْــلِ تَـعــزِيَــةِ كُــلِّ الَّـذيـنَ تَـــأَذُّوا نَــفْــسًــا وجَــسَــدًا. نُــصـلّـي مِـنْ أجـلِ عـاصِـمَــتِـنـا بـيروت الـتـي مـا زالـتْ تُــلَـمـلِـمُ أشـلاءَهـا، بـيـروت الـتـي تَـدفَـعُ دائـمـاً الـثَـمَـنَ مـع أبـنـائـهـا، ولا ذَنـبَ لـهـا إلاّ أنّـهـا الـعـاصـمـةُ الـجـمـيـلـةُ، الـمـحـبـوبَـةُ مِـنْ جـمـيـعِ مَـنْ عَــرَفَـهـا، والـمُـضْـطَـهَـدةُ مِـنْ كُـلِّ غـاضِـــبٍ عـلـى الـدولـةِ، أو ثـائـرٍ عـلى الـسـيـاسـيـيـن، أو يـائـسٍ مِـنْ الـحـالَـةِ الـتي وَصَـلْـنـا إلـيـهـا".
 
وقال: "بـيـروت الـتـي مـا زالـتْ تـنـتـظِـرُ الـمـبـادَراتِ الـخـاصـةَ لإنـارَةِ شـوارعِـهـا أو لإصـلاحِ طُـرُقِـهـا أو لـتـرمـيـمِ مـنـازلِـهـا الـتـي دمَّـــرَهـا الإنـفـجـارُ، ومـا زالَ هـنـاك مَـنْ يَـتَـحَـيَّـنُ الـفُـرَصَ لشِـرائِـهـا وتَـهـجـيـرِ أهـلِـهـا. بـيروت الـتـي مـا زالـتْ تــنــتــظِـــرُ الـعــدالةَ وتــتـسـاءلُ أيــن الـتـحـقـيـقُ ولِـمَ لَـمْ يُـسْـتَــكْــمَـلْ؟ بـيـروت الـتـي، مَـعَ تَــمَــسُّــكِـهـا بحَــقِّــهـا بمعـرفَــةِ الحقـيقـةِ وإنــزالِ الـعــقـابِ بِـمَــنْ طـعَــنَ قـلْبَهـا وقَــهَــرَ أبـنـاءَها، تـؤمِـنُ بـأنَّ عـدالـةَ الـسـمـاءِ مـهـمـا تـأخّـرَتْ آتـيـةٌ لأن «لِــيَ الإنـتـقـامُ، أنـا أجـازي» يـقـولُ الـربُّ الـقـديـر (عـب 10: 30)"..
 
واعتبر أنّ "في بَــلَـدِنـا كُــلُّ جَـمـاعَـةٍ تَـضَـعُ ثِـــقَـــتَــهـا فـي مَـكـانٍ مُـحَـدَّدٍ، إِلَّا فـي الـمَـكـانِ الـمُـنـاسِـب. لا نَــجِــدُ انـتـمـاءً واضِـحـاً لِـلُـبـنـانَ، وَطَــنًــا واحِــدًا لِـشَـعْــبٍ واحِــدٍ، يَـحْـمـيـهِ جَــيـشٌ واحِــدٌ يَــجْــمَـعُ الـكُــلَّ تَـحْـتَ رايَـةِ الـوَطَـنِ الـواحِـد، هـذا الـجـيـشُ الـذي، في مـنـاسـبـةِ عـيـدِه، نـسـألُ اللهَ أن يَـحــمــيـه قـيـادةً وأفــراداً".
 
وأشار غلى أنّ "كُــلُّ جَـمـاعَـةٍ تـخــافُ غــيــرَهـا، الَّـذي هُــوَ شَـريــكُـهـا في الـوَطَــن. بَــلَـدُنـا تَــشَــرْذَمَ بِسَــبَــبِ غِــيـابِ الـمَـحَـبَّـةِ، وعـدمِ الإعــتــرافِ بـالآخَـرِ الـمُـخْـتـلِـفِ والـتـواصُـلِ مـعـه خـوفـاً مـنـه. إلـى مـتـى سـيـبـقـى شـعــبُ لـبـنـان شُـعــوباً؟ إلى مـتـى سيـبـقـى لـبــنـانُ تـحـتَ وطـأةِ الإخــتـلافـاتِ والإنــقـسـامـاتِ والـتـبـايُــنِ فـي الآراء؟".
 

اقرأ في النهار Premium