مئات آلاف التفاعلات حصدتها منشورات على مواقع التواصل الاجتماعيّ تتناول قصّة فيلم فرنسيّ قيل إنّه مقتبس عن قصّة حقيقيّة لرجل مسلم كان يمتلك متجراً في حي يهوديّ في فرنسا وقد جمعته علاقة بصبيّ يهوديّ أخذ يعلّمه الحياة من خلال القرآن حتى اعتنق الإسلام وراح يبشّر به في أفريقيا. إلاّ أنّ الفيلم الذي تتحدّث عنه المنشورات بعنوان "السيّد إبراهيم وزهور القرآن" من بطولة عمر الشريف، مقتبس عن قصّة للكاتب الفرنسيّ البلجيكيّ إيريك إيمانويل شميت، وأحداثه الرئيسيّة وعقدته لا تمتّ بصلة لما ترويه المنشورات المضلّلة.
تتناول المنشورات قصّة فيلم فرنسيّ بعنوان "السيّد إبراهيم وزهور القرآن"، وتدّعي أنه يروي قصّة رجل تركيّ اسمه إبراهيم، مثّل دوره الممثّل المصريّ عمر الشريف، عاش في خمسينات القرن الماضي، وكان يملك دكاناً يقصده صبيّ يهوديّ اسمه جاد عمره سبع سنوات فيسرق كلّ مرّة منه لوح شوكولاتة. وتتابع المنشورات أنه ذات يوم نسي الصبيّ السرقة فذكّره البقال بذلك. وكان درساً للصبيّ وعبرة حتى لا يسرق أبداً.
وتضيف المنشورات أن "العلاقة توطّدت بين إبراهيم وجاد فصار الصبيّ يشارك البقالَ همومه ويجدان الحلول عن طريق قراءة القرآن".
وتختم المنشورات القصّة بوفاة إبراهيم الذي ترك لجاد نسخة من القرآن لجأ إليها يوماً عندما كان في مأزق فوجد الحلّ فيه وقرر أن يعتنق الإسلام، و"صار اسمه جاد الله القرآني أكبر داعية إسلامي في أوروبا وقد أسلم على يديه أكثر من 6000 يهودي ..".
حصدت المنشورات مئات آلاف التفاعلات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ بهذه الصيغة في تموز 2022.
إلاّ انّ القصّة التي ترويها المنشورات لا تمتّ بصلة إلى الأحداث الرئيسيّة للفيلم المقتبس عن رواية الكاتب الفرنسي إيريك إيمانويل شميت بعنوان "السيّد ابراهيم وزهور القرآن" (Monsieur Ibrahim et les fleurs du Coran).
فما القصّة الأصليّة؟
تجري أحداث القصة في ستينات القرن الماضي، وليس الخمسينات، وتروي حياة صبيّ يهوديّ في الحادية عشرة من العمر اسمه موسى، وليس حياة جاد الذي يبلغ سبع سنوات كما جاء في المنشورات المضلّلة.
يعيش موسى مع والده البخيل واليائس الذي لا يعرف شيئاً عن ديانته في منزل لا يعرف دفء العائلة. وللهرب من جوّ منزله البارد بدأ موسى معاشرة فتيات الهوى في الشارع الذي يقيم فيه.
وكان الصبيّ يقصد دكان السيّد ابراهيم البقال "العربيّ" المسلم في الحيّ اليهوديّ فيشتري احتياجاته ويسرق كلّ مرة غرضاً منه ليوفّر بعض النقود التي كان والده يعطيها له، إلى أن جاء يوم أطلع فيه السيّد إبراهيم الطفل موسى أنّه يعرف ما يفعله وطلب منه بأن يعده بألا يسرق أبداً… وتوطّدت العلاقة بين الشخصيتين وراح إبراهيم يعلّم موسى كيف يبتسم وكيف يغشّ والده ببعض المشتريات وكيف يلفت انتباه الفتيات.
وكان ابراهيم، الصوفيّ التوجّه، غالباً ما يردّ على أسئلة يطرحها موسى بالقول "أعرف ما في قرآني". ولكنّ إبراهيم لم يقرأ يوماً آيات قرآنيّة لموسى أو يعلمه أي شيء عن ديانته.
وفي أحد الأيام، عاد موسى إلى منزله البارد ليكتشف أنّ والده تخلّى عنه وانتحر في ما بعد.
وطلب من السيّد ابراهيم ممازحاً أن يتبناه فقبل الأخير. وبدأت رحلة موسى مع والده الجديد الذي اشترى سيارة وأخذ يجول بها القارة الأوروبيّة معه وصولاً إلى تركيا.
هناك، قصد موسى المساجد الصوفيّة حيث شاهد الدراويش يرقصون، ورقص معهم فشعر بالراحة.
وفي تركيا، تعرّض السيّد إبراهيم لحادث وتوفّي تاركاً دكانه وقرآنه لموسى. ولما فتح موسى القرآن وجد داخله زهرتين مجفّفتين تمثلان عنوان الكتاب.
ويُفهم حينها أن إبراهيم، حين كان يقول له "أعرف ما في قرآني"، كان يشير إلى الزهرتين.
التناقضات بين المنشورات والقصّة الحقيقيّة
لم تأت القصّة أو الفيلم في أي من أجزائه على ذكر حلّ مشكلات الصبيّ عن طريق قراءة القرآن، ولم يصوّر الفيلم السيّد ابراهيم على أنّه يلتزم بالدين التزاماً صارماً، أو يدعو إلى دينه، بل كرجل يحبّ أن يعيش الحياة بكلّ ما فيها.
كما ولم تأت القصّة أيضاً على ذكر اعتناق موسى الإسلام، بل ركّزت على أنّه ورث الدكّان من إبراهيم وبقي فيه حتى صار أهل الحيّ يطلقون عليه اسم "العربيّ" كما كانوا يطلقون على إبراهيم.
ومصطلح "العربيّ" بحسب السيّد إبراهيم لا يشير إلى قوميّة أو جنسيّة بل يعني أنّه "يفتح دكانه من الثامنة صباحاً لغاية منتصف الليل حتى أيام الآحاد".
والرسالة من وراء القصّة هي أقرب إلى تسليط الضوء على الأمور المشتركة بين الديانات وليس التركيز على الإسلام بحدّ ذاته.
بيعت رواية إيريك إيمانويل شميت بملايين النسخ بعد أن صدرت عام 2001 وعرض الفيلم بعد ذلك عام 2003 وفاز عمر الشريف بجائزة سيزار كأفضل ممثّل عن دور السيّد إبراهيم.