الموضوع ترتيلة "أنا الأم الحزينة". وما يتناقله عنها مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي، وايضا ما تذكره عنها مواقع دينية وموسيقية، هو أن "الاخوين رحباني هما اللذان ألفا موسيقاها، وكتبا كلماتها"، بينما يزعم آخرون أنه الموسيقي الراحل الياس رحباني. ولكن، بعيدا من الجدل الدائر حاليا حول الترتيلة، فإن ما يجب ما معرفته هو أن هذه المعلومات المتداولة عنها خاطئة تماما. الترتيلة "لحن سرياني قديم جدا عمره آلاف السنين"، على ما يقول منسّق لجنة الموسيقى الكنسية ضمن اللجنة البطريركية المارونية للشؤون الطقسيّة الاب يوسف طنوس لـ"النهار". ونص الترتيلة يعود الى القرن السابع عشر، و"ناظم هذه الطلبة هو المطران عبدالله قراعلي، مطران بيروت في القرن الثامن عشر"، وفقا للاب يوحنا جحا، العضو في اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية فرع الموسيقى المقدسة. FactCheck#
"النّهار" دقّقت من أجلكم
الوقائع: منذ ساعات، يشتعل الجدل حول ترتيلة "انا الأم الحزينة"، على خلفية انشادها في مأتم الناشط السياسي والاجتماعي لقمان سليم (58 عاما) الذي اغتيل الخميس 4 شباط 2021. ويزعم مستخدمون لوسائل التواصل (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، وايضا مواقع دينية وموسيقية (هنا، هنا، هنا، هنا...)، أن الترتيلة "من كلمات وألحان الاخوين رحباني"، وايضا هي من "ألحان الموسيقار الياس رحباني، وكاتبها شاعر مغمور غير معروف"...
التدقيق:
كلا، هذه الترتيلة ليست "من كلمات والحان الاخوين رحباني" او غيرهما، كما يتم زعمه.
الترتيلة منشورة في "كتاب التراتيل المارونية بحسب طقس الكنيسة الانطاكية السريانية المارونية (بكركي 2008)"، الصفحة 257. وقد ذكر الكتاب ان نص الترتيلة: الليتورجيا المارونية، واللحن: شعبي من أصل ماروني.
- الأب طنوس -
ويشرح الأب يوسف طنوس، العميد السابق لكلية الموسيقى في جامعة الروح القدس في الكسليك، ومنسّق لجنة الموسيقى الكنسية ضمن اللجنة البطريركية المارونية للشؤون الطقسيّة، في حديث لـ"النهار"، ان "لحن ترتيلة أنا الام الحزينة لحن سرياني قديم جدا، عمره آلاف السنين. وقد تمّ تعديله قليلا، مع الوقت، بإضافة جملة موسيقية صغيرة تطويلية إليه، تحت تأثير العاطفة والموسيقى العربية".
عنوان اللحن السرياني للترتيلة هو: "هُا قْطِيلُا بْمِصْرِينْ"، وفقا لما يوضح الاب طنوس. نعم، لا علاقة للأخوين الرحباني بالتأليف. "لقد اهتموا بتوزيع اللحن، لتغنيه فيروز"، على ما يقول، مشيرا الى ان "لحن ترتيلة انا الام الحزينة هو اللحن ذاته لترتيلة يا شعبي وصحبي"، و"يتم انشادهما فقط خلال اسبوع آلام السيد المسيح، او كل يوم جمعة من زمن الصوم".
ووفقا لكتيب رتبة سجدة الصليب يوم الجمعة الآلام- الرتبة المارونية- الصادر عن جامعة الروح القدس- الكسليك 1984، فإن ترتيلة "انا الام الحزينة"، او ما يسمى ايضا "طلبة الآلام" تتلى يوم الجمعة العظيمة مساء".
-ماذا عن كلمات الترتيلة؟ -
يجيب الاب طنوس: "الكلمات قديمة جدا، بدورها. نتكلم هنا عن القرن السابع عشر، عندما نظمت الكنيسة المارونية يومذاك، نوعا ما، صلوات اسبوع الآلام، فأضيفت اليها يا شعبي وصحبي، وقامت مريم وأنا الأم الحزينة، وذلك لتكون طقسا خاصا بأسبوع الآلام".
ويوضح أن "هذا الطقس أريد له أن يكون شعبيا، ليشارك فيه جميع المؤمنين. وهذا حصل عندما ابتعد الشعب عن اللغة السريانية او لم يعد يفهمها. وبالتالي، تم استخدام الألحان السريانية مع كلمات عربية. ومن هنا، كانت ترتيلة قامت مريم، ويا شعبي وصحبي، وأنا الأم الحزينة".
طلبة الآلام، في اسبوع الآلام... "أنا الأم الحزينة وما من يعزيها"، تقول الترتيلة. ما يجب معرفته ايضا عن هذا النوع من الطلبات، في التقليد الماروني، هو أنها تقال بحسب أحرف الابجدية، وفقا للترتيب السرياني. وهذا يعني أن كل بيت من ابيات طلبة الآلام يبدأ بأحرف الأبجدية السريانية أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت".
- الاب جحا -
كذلك، يوضح الاب يوحنا جحا، الراهب اللبناني الماروني، العضو في اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية فرع الموسيقى المقدسة، المدير السابق لجوقة الكسليك، أن "هذه الطلبة دخلت، كما سواها، كنيستنا المارونية في مطلع القرن الثامن عشر، كتعويض عن فقدان الموارنة للغة السريانيّة وعدم تمكّنهم من متابعة الصلوات في كتب الفرض السريانيّة، لا سيّما فرض الحاش أي أسبوع الآلام".
ويقول: "لولا هؤلاء الرهبان الّذين نظموا الزياحات والأناشيد (بلغة عصرِهم)، لا أتصوّر ماذا كانت لتكون صلوات الشعب الماورني من العام 1700 إلى بداية القرن العشرين، وقيام النهضات الليتورجيا وآخرها في السبعينيات كنتيجة لتوصيات المجمع الفاتيكاني الثاني. كلّ الكنيسة تشكر هؤلاء الرعاة الّذين أغنوا كنائسنا بهذه الصلوات المستمدّة من الكتاب المقدّس وموقّعه على الألحان المارونيّة التقليديّة".
ويفيد أن "ناظم هذه الطلبة هو المطران عبدالله قراعلي، مطران بيروت في القرن الثامن عشر، وهو أحد مؤسسي الرهبانية اللبنانية والرهبانية المريمية"، لافتا الى ان "طلبة الأمّ الحزينة ترافق مسيرة الشعب الماروني منذ نحو ثلاثمائة سنة، وهي طلبة توافق طبيعة المارونيّ ابنِ الجبل والأرض، محبّ المسيح ومريم، الشعب المجبول بالعاطفة والتضامن والمحبّ للصلاة".
ويقول: "هذه الطلبة وأمثالها من الطلبات (وليس جميعها) ساهمت بشكلٍ مباشر في تكوين الشخصيّة الدينيّة المارونية. ولا بدّ من ذكر بعض هذه الصلوات: يا أمّ الله يا حنونة، وإن كان جسمك، صلاتك معنا يا أطهر العباد، قد أكلت جسدك، طلبة القيامة، نهديك السلام، يا صالحًا أبدى للوجود، تعطّف يا ربّ، عظّم يا ربّ مع قدّيسيك ذكر آبائنا". ويضيف: "إذا كانَ بعضَ هذه التراتيل قد نُقلَ عن الطقس السرياني، فالبعض الآخر وجد أصلًا في العربيّة وهو مارونيّ مئة في المئة".
ويشرح أن "هذه الروائع (رغم اللغة القديمة التّي تعتمدها) ارتبطت بشكل عضويّ وكيانيّ بقدّاسات الموارنة وزيّاحاتهم وتقويّاتهم الّتي كان تصير جماعيًّا في الكنائس والأديار، حفاظًا على قدسيَّتِها ولتكونَ للهِ وحده من دون شريك... هذه التراتيل ولدت في حضن الكنيسة وعاشت في قلب الكنيسة طوال قرون، ولا يحقّ لأحدٍ تهجيرُها".
وهنا نص طلبة الآلام أو ترتيلة أنا الام الحزينة (كتيب رتبة سجدة الصليب يوم الجمعة الآلام):