النهار

"تقرير مرعب وخطير لمؤسسة بيل غيتس توقّع انتشار جدري القردة اعتباراً من 15 ايار 2022"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#
المصدر: النهار
"تقرير مرعب وخطير لمؤسسة بيل غيتس توقّع انتشار جدري القردة اعتباراً من 15 ايار 2022"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#
لقطة شاشة (الى اليمين) لتقرير مبادرة التهديد النووي، والمنشور الخاطئ المتداول (فايسبوك).
A+   A-
ما ستقرأونه، وفقاً للمزاعم المتناقلة، هو "تقرير مرعب وخطير أصدرته مؤسسة بيل غيتس ومؤتمر ميونخ للأمن في آذار 2021، وجاء فيه أن جدري القردة سيبدأ الانتشار في العالم في 15 ايار 2022، ليصيب 3.2 مليارات شخص، ويؤدي الى وفاة 271 مليونا"، بما يشير الى ان ثمة "مؤامرة عالمية" وراء انتشار جدري القردة في العالم، و"غيتس هو المخطط له". غير أن هذه الادعاءات خاطئة. فالتقرير المشار اليه لا تقف وراءه مؤسسة بيل وميليندا غيتس، بل أصدرته مبادرة التهديد النووي Nuclear Threat Initiative في تشرين الثاني 2021، ويعرض نتائج تمرين افتراضي، خيالي، لا يمت الى الواقع بصلة نفذته، في آذار 2021، بالاشتراك مع مؤتمر ميونيخ للأمن، حول الحد من التهديدات البيولوجية عالية العواقب. FactCheck#
 
"النّهار" دقّقت من أجلكم 
 
الوقائع: منذ ساعات، تكثّف التشارك في منشور، عبر صفحات وحسابات، في الفايسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا، هنا، هنا، هنا...)، جاء فيه (من دون تدخل او تصحيح): "تقرير مرعب وخطير يثير مئات التساؤلات حول جدري القرود صدر عن مؤسسة بيل جيتس ومؤتمر ميونخ للأمن فى مارس 2021 جاء فى صفحة 10 من التقرير أن جدري القرود سيبدأ فى الانتشار فى 15 مايو 2022. سيصيب 3.2 مليار انسان. سيموت 271 مليون انسان". وقد أرفق برابط يقود الى التقرير.
 
  
 
 
التدقيق: 
لكن المنشور المتناقل يتضمّن معلومات خاطئة، مضلّلة، وفقا لما يتوصل اليه تقصي صحته. 
 
 - أولا، الرابط يقود الى موقع مبادرة التهديد النووي Nuclear Threat Initiative، ناشرة  هذا التقرير، الذي يحمل عنوان: تعزيز النظم العالمية لمنع التهديدات البيولوجية ذات النتائج العالية والاستجابة لها، في تشرين الثاني 2021. 
 
والمبادرة "منظمة أمنية عالمية، غير ربحية وغير حزبية"، تأسست عام 2001، ومقرها في واشنطن. و"تركز على الحد من التهديدات النووية والبيولوجية التي تهدد البشرية"، وفقا لما تعرّف بنفسها. وحدّدت مهمتها بـ"تحويل الأمن العالمي من خلال دفع الحلول المنهجية للتهديدات النووية والبيولوجية التي تهدد البشرية". 
 
- ثانيا، التقرير يحمل بوضوح اسم المبادرة، NTI Paper (اي ورقة مبادرة التهديد النووي)، على ما كُتب بخط عريض أعلى الصفحة الاولى للورقة. وما يقرأ فيها ايضا بوضوح هو ان هذه الورقة تعرض "نتائج التمرين المنضدي 2021 tabletop exercise، والذي اجري بالشراكة مع مؤتمر ميونيخ للأمن". 
 
في التعريف، التمرين المنضدي tabletop exercise هو "اجتماع لمناقشة محاكاة حالة طوارئ"، "يعرض خلاله المشاركون الإجراءات التي قد يتخذونها في حالة طوارئ معينة، ويختبرون خطة الطوارئ الخاصة بهم في بيئة غير رسمية منخفضة الضغط".
 
بتعابير ابسط، المناقشة تعلقت بتمرين افتراضي، خيالي، لا يمت الى الواقع بصلة.  
 
 والتمرين المنضدي الذي تتكلم عليه الورقة، "نظمته مبادرة التهديد النووي مع مؤتمر ميونيخ للأمن في آذار 2021، حول الحد من التهديدات البيولوجية عالية العواقب"، وفقا لما جاء في مقدمة الورقة. و"قد فحص التمرين الثغرات في الهياكل الوطنية والدولية  للأمن البيولوجي والتأهب للوباء- استكشاف الفرص لتحسين قدرات الوقاية والاستجابة للأحداث البيولوجية ذات العواقب الكبيرة".
 

 
- ثالثاً، ليس بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، في فريق مبادرة التهديد النووي. فاسمه لا يرد بين اسماء مجلس ادارة المبادرة (هنا)، أو مجلسها الفخري (هنا)، أو قادتها والموظفين فيها (هنا)، أو مجموعاتها الاستشارية (هنا، هنا)، او مستشاريها (هنا). 
 
في الواقع، يرد اسم مؤسسة بيل وميليندا غيتس في لائحة المشاركين في هذا التمرين المحاكاة، الذي شمل "19 من القادة والخبراء الكبار من جميع أنحاء أفريقيا والأميركيتين وآسيا وأوروبا، مع عقود من الخبرة المشتركة في الصحة العامة وصناعة التكنولوجيا الحيوية والأمن الدولي والعمل الخيري".
 
وقد مثّل مؤسسة بيل وميليندا غيتس، في هذا التمرين، الدكتور كريس الياس، رئيس قسم التنمية العالمية في المؤسسة، التي تشتهر بكونها منظمة غير ربحية "تكافح الفقر والامراض وعدم الانصاف في جميع أنحاء العالم".
 
 
اذاً، مؤسسة بيل وميليندا غيتس لم تصدر هذا التقرير، بل كانت مشاركة في التمرين الافتراضي. 
 
* ما الذي تضمّنه هذا التمرين؟ 
شمل سيناريو خياليا تم تطويره، بالتشاور مع خبراء تقنيين وسياسيين، وصوّر انتشار وباء عالمي مميت من جراء سلالة غير عادية من فيروس جدري القردة، ظهرت للمرة الاولى في دولة برينيا الخيالية، لينتشر في ارجاء العالم في نهاية المطاف، على مدار 18 شهرًا. 
 
وفي وقت لاحق من التمرين، كشف السيناريو الخيالي أن التفشي الأولي كان بسبب هجوم إرهابي استُخدم فيه عامل مرضي تمّت هندسته في المختبر، في ظل عدم كفاية أحكام السلامة والأمن البيولوجيين والرقابة الضعيفة.  وانتهى سيناريو التمرين بأكثر من 3 مليارات اصابة، و270 مليون وفاة على مستوى العالم. 
 
وقد حدّد التمرين الخيالي مهمة للمشاركين فيه: "مناقشة متطلبات البنى الدولية المتعلقة بالتقييم المبكر المستند إلى العلم لأخطار الجوائح الناشئة والإنذار والتنبيهات الدولية في الوقت المناسب بشأن الأوبئة المحتملة. استكشاف الظروف التي ينبغي أن تؤدي إلى اتخاذ إجراءات وطنية لمواجهة الجائحة ومناقشة الاستراتيجيات والتحديات لتوسيع نطاق تدخلات الصحة العامة. النظر في خيارات لتقليل اخطار التكنولوجيا الحيوية وتعزيز الإشراف على أبحاث العلوم الحيوية ذات الاستخدام المزدوج. استكشاف الفرص لتعزيز آليات التمويل الدولية لتعزيز التأهب للأمن الصحي العالمي".
 
وقد تم تنظيم المناقشة ضمن ثلاث "حركات" متتالية، تتوافق مع تطورات السيناريو وتعقيداته، تلتها طاولة مستديرة حول قضايا الأمن البيولوجي والتأهب للأوبئة الأوسع.
 
ووفقا للسيناريو الخيالي، فإن "الحركة الاولى تبدأ في 5 حزيران 2022، مع "تفشي مرض جدري القردة في برينيا"، الدولة الخيالية، مع تسجيل "1421 اصابة و4 وفيات". 
 
وهذا التاريخ، 5 حزيران 2022، وفقا للسيناريو الخيالي، لا يتوافق مع تاريخ 15 ايار 2022، الذي ورد في المنشور المتناقل لبدء انتشار الفيروس في العالم. في الواقع، حدّد التمرين يوم 15 ايار 2022 تاريخ الهجوم الخيالي. 
 
كذلك، لا يتوافق تاريخ 15 ايار 2022 الوارد في المنشور مع تاريخ تسجيل الحالة الأولى التي أُصيبت بجدري القردة في نيجيريا في غرب أفريقيا أخيرا.
 
ففي 7 ايار 2022، أُبلغت منظمة الصحة العالمية بتسجيل إصابة مؤكدة بجدري القردة لدى شخص سافر من المملكة المتحدة إلى نيجيريا، وعاد بعد ذلك إلى المملكة المتحدة (هنا). وقد أوضحت المنظمة ان "هذا الشخص اصيب بطفح جلدي في 29 نيسان 2022. ووصل الى المملكة المتحدة في 4 ايار، بعدما غادر نيجيريا في 3 منه. وتم الاشتباه فى اصابته بجدري القردة وتم عزل الحالة على الفور".
 
- حركتان اضافيتان في السيناريو -
الى جانب الحركة الاولى في التمرين التي تبدأ في 5 حزيران 2022، وفقاً للسيناريو الخيالي، تبدأ الحركة الثانية في 10 كانون الثاني 2023، مع انتشار المرض في 83 دولة، وتسجيل 70 مليون اصابة و1.3 مليون وفاة. اما الحركة الثالثة، فتبدأ في 10 ايار 2023، مع تسجيل 480 مليون اصابة و27 مليون وفاة. وينتهي السيناريو بطاولة مستديرة، في 1 كانون الاول 2023، مع تسجيل 3.2 مليارات اصابة و271 مليون وفاة. 
 
 
 
 
إضافة الى هذا السيناريو الخيالي، لخّصت الورقة "النتائج الرئيسية للمناقشات والتوصيات العملية للمجتمع الدولي".
 
وقد سبق ان نظمت مبادرة التهديد النووي تمارين اخرى مماثلة، بسيناريوات خيالية، أحدها عام 2019 عن انتشار الطاعون (هنا)، وآخر عام 2020 عن "منع المخاطر البيولوجية الكارثية العالمية" (هنا).
 
- حقائق عن جدري القردة -
ما يجب معرفته عن جدري القردة هو انه ليس مرضاً حديثاً، وليست المرة الأولى التي ينتشر فيها بين البشر... لا سيما خارج القارة الأفريقية. 
 
فقد كُشِف للمرّة الأولى بين البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة باسم زائير في وقتها) لدى صبي عمره 9 اعوام كان يعيش في منطقة استُؤصِل منها الجدري عام 1968. وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي رُئِي أنها موطونة به، والتي اندلعت فيها فاشية كبرى للمرض عامي 1996 و1997 (هنا).
 
عام 1985، كُشِف عن هذا الفيروس، للمرة الاولى، في المعهد الحكومي للأمصال الكائن في كوبنهاغن بالدانمارك، أثناء التحري عن أحد الأمراض الشبيهة بالجدري بين القردة.
 
وجدري القردة مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ (يُنقل فيروسه من الحيوان إلى الإنسان) وتماثل أعراض إصابته للإنسان تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، ولكنه أقل شدّة.
 
ومع أن الجدري كان استُؤصِل عام 1980، فإن جدري القردة لا يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء أفريقيا. وهو ينتمي إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري.
 
في خريف 2003، أبلغ عن تسجيل اصابات مؤكّدة به في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأميركية، مما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة الأفريقية. وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا خالطوا كلاب البراري الأليفة مخالطة حميمة.

عام 2005، اندلعت فاشية لجدري القردة في ولاية الوحدة بالسودان. وأُبلِغ عن حالات متفرقة في أجزاء أخرى من أفريقيا.
 
عام 2009، حدّدت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو، حالتين للإصابة بجدري القردة وأكدتهما، فيما جرى احتواء 26 حالة ووفاتين في إطار اندلاع فاشية أخرى للمرض بجمهورية أفريقيا الوسطى في الفترة الواقعة بين آب وتشرين الأول 2016. 
 
وقد حددت منظمة الصحة العالمية (هنا) كيفية انتقال مرض جدري القردة، علاماته وأعراضه، والعلاج واللقاح ضده وطرق الوقاية منه. 
 
 

اقرأ في النهار Premium