يعمد كثيرون من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشر صور زهور وطيور يدّعون أنها نادرة وحقيقيّة بهدف جذب التفاعلات. إلا أنّ هذه المنشورات تساهم في نشر التضليل وتشويه الحقائق العلميّة، على غرار هذه الصورة التي يدّعي ناشروها أنها لزهرة أوركيد نادرة في شكل قطّة موجودة في البيرو أو الإكوادور. ويسهل تصديق هذا النوع من المنشورات بالذات نظراً لتنوّع عائلة زهور الأوركيد التي قد تتجلّى بعض أنواعها بأشكال تُشبه وجه إنسان أو حيوان. لكنّ هذه الصور المتداولة لا تمتّ للواقع بصلة، بحسب خبراء في عالم النباتات ومتخصصين بمجال الذكاء الاصطناعي.
تبدو في الصورة زهور في شكل قطط نمت وسط الطبيعة. وأطلق مروّجو هذه الصورة على الزهور الظاهرة فيها اسم "أوركيد القطة البيضاء"، مضيفين ما يوحي بأنها معلومات موثوق بها عن موطنها، اذ "تنمو في البيرو والإكوادور".
حصدت هذه الصورة عشرات آلاف التفاعلات في هذه الصفحة وحدها عبر فايسبوك بالعربيّة، في حين نشرتها صفحات بالإنكليزية، بينها واحدة تنتحل اسم شبكة "Nat Geo Wild" المتخصصة بالحياة البريّة، وأخرى بالفرنسيّة باسم "روائع الطبيعة"، وأيضاً البورميّة.
وذهبت بعض الصفحات إلى التسويق لبذور ما زُعم أنّها "زهرة أوركيد القطة البيضاء" أو ما أُطلق عليها بالإنكليزيّة "Cat's eye dazzle".
زهرة لا وجود لها
لا يُرشد البحث عن اسم هذه الزهرة (أوركيد القطّة البيضاء) بالعربيّة أو الإنكليزيّة "Cat's eye dazzle" إلى أي نتائج علميّة.
كذلك، لا تعطي خانات البحث في المواقع المعروفة المعنيّة بالنباتات والزراعة أيّ نتيجة لدى وضع اسم هذه الزهرة بأي من اللغات، في حين أنّ البحث عن الاسم اللاتيني الذي استخدمته بعض المواقع التسويقيّة Cryptanthusbivittatus يرشد إلى نتائج تعود لنبتة أخرى.
أماّ البحث العكسي عن الصورة، فلا يُرشد إلى أي موقع علمي أو مصدر ذي صدقيّة، بل يرشد إلى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع تسويقيّة تنشر هذه الصورة أو صوراً أخرى لزهور تشبه وجوه القطط.
ويرشد البحث عن بعض هذه الصور إلى مواقع نشرت ما يُشبهها ضمن مدوّنات تقول صراحة في الخانة التعريفيّة ضمنها إنها مصمّمة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
صورة مصمّمة؟
كلّ ذلك يدفع للشكّ في أنّ صورة "أوركيد القطّة البيضاء" قد تكون مصمّمة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي. فبعض التفاصيل فيها تتشابه إلى حدّ كبير مع الجوانب غير المتناسقة التي تبدو في الصور المولّدة بواسطة هذه التقنيات.
إلى ذلك، أكّد هذه النقطة تحديدا الخبير في الجوانب البصريّة للصور المولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي والأستاذ في معهد ملبورن الملكي للتكنولوجيا RMIT في أوستراليا، تي جاي تومسون، الذي قال في رسالة لوكالة فرانس برس "نجد بعض العلامات غير المتناسقة على مستوى أوراق الزهرة" ما قد يشير إلى أنها مولّدة بواسطة برنامج ذكاء اصطناعي.
وعلّق قائلاً "مع الوقت والمهارة والتطور الفني، سيصبح من الصعب تمييز الصور المولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي"، وبالتالي من المهم جداً النظر إلى نواح عدّة لإصدار الحكم.
ماذا يقول الخبراء في عالم الزهور والنباتات؟
بحسب المهندس الزراعي والخبير اللبناني مارك بيروتي، فإن هذا النوع بالذات من زهور الأوركيد، لا وجود له.
وشرح بيروتي أن "لزهور الأوركيد أشكالا وألوانا خلابّة، وهي من أكبر عائلات الزهور المعروفة إذ تضم آلاف الأجناس".
وأضاف "نجد بعضاً من زهور الأوركيد التي تشبه الببغاء أو وجه القرد، وأخرى تشبه شكل رجل عار أو حتى امرأة راقصة". ولكن هذه الزهرة التي تشبه وجه القطة لا وجود لها.
وتابع "لو نظرنا داخل أي أنواع من زهور الأوركيد، حتى تلك الموجودة في المتاجر، قد نجد ما يشبه وجه حيوان أو حشرة...".
واستطرد قائلاً "قد يصدّق الناس وجود هذا النوع لكثرة الأشكال التي قد تجسّدها زهور الأوركيد" ولكن "يجب عدم المزج بين العلم والخيال، فهذه الزهرة متخيّلة، ولا ريب".
وهنا بعض الصور لزهور الأوركيد التي وزّعتها وكالة فرانس برس.