خطوات جريئة قامت بها ثلاث دول أوروبية على مستوى الاعتراف بوجود دولة فلسطينية، وتشكّل محطات "تاريخية" في سياق مشوار تأسيس دولة فلسطينية، بعدما فشلت كل الاتفاقات لقيام هذه الدولة.
ورغم كل الضغوط الدولية، أعلنت النروج واسبانيا وايرلندا، الثلثاء، اعترافها رسميا بدولة فلسطين، في خطوة ستكون لها تبعاتها السياسية، وستضعها تحت مجهر الانتقاد الإسرائيلي والأميركي، انطلاقاً من رفض هذين الطرفين للإجراءات التي يصفانها بأنها "أحادية الجانب".
وجاء اعتراف الدول الثلاث رسمياً بدولة فلسطين في قرار أكدت أنّه يهدف إلى التقدّم باتجاه السلام في الشرق الأوسط، رغم إثارة غضب إسرائيل منذ أن أعلن رؤساء حكومات الدول الثلاث الأربعاء الماضي قرارهم الذي دخل حيّز التنفيذ الثلثاء.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، في إعلان مقتضب بالإسبانية والإنكليزية الثلثاء، أنّ الاعتراف بدولة فلسطين "ضرورة لتحقيق السلام" بالإضافة إلى كونه "مسألة تاريخية" للشعب الفلسطيني.
وأضاف أنّ هذا القرار "لم يُتخذ ضدّ أيّ طرف وخصوصاً ليس ضدّ إسرائيل، الشعب الصديق... الذي نريد أن تكون معه أفضل علاقة ممكنة"، مؤكداً أنّ الاعتراف بدولة فلسطين يعكس "رفضنا التام لحماس التي هي ضد حلّ الدولتين".
من جهته، قال رئيس الوزراء الإيرلندي سايمن هاريس في بيان بعد وقت قصير على إقرار اجتماع حكومي الخطوة "يرتبط قرار إيرلندا هذا بإبقاء الأمل على قيد الحياة" في الشرق الأوسط، حيث تعدّ الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس على الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول، الأكثر دموية خلال أكثر من سبعين عاماً من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كذلك، حضّ هاريس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على "الإنصات إلى العالم ووقف الكارثة الإنسانية التي نشهدها في غزة".
في النروج، أشاد وزير الخارجية إيسبن بارث إيدي، بالقرار باعتباره "يوماً تاريخياً" بالنسبة لبلاده التي تعدّ "أحد أشدّ المدافعين عن الدولة الفلسطينية... منذ ثلاثين عاماً". وقال إنّه "من المؤسف أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تظهر أيّ دليل على المشاركة البنّاءة"، داعياً المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لدعم حلّ الدولتين.
- "متواطئ في التحريض على إبادة اليهود" -
من جهتها، أعربت السلطات الإسرائيلية عن غضبها، وحمل وزير الخارجية يسرائيل كاتس في رسالة عبر منصة اكس على رئيس الوزراء الإسباني بقوله "أنت متواطئ في التحريض على إبادة اليهود" من خلال الاعتراف بدولة فلسطين ومن خلال إبقاء نائبة رئيس الوزراء يولاندا دياز في منصبها بعدما دعت قبل فترة قصيرة إلى تحرير فلسطين "من النهر إلى البحر".
ويفسّر منتقدو هذا الشعار، بما في ذلك الحكومة الإسرائيلية، بأنّه دعوة إلى القضاء على إسرائيل.
وعلى مدى أيام، كثف كاتس الرسائل الغاضبة ضد الدول الثلاث على منصة أكس.
ونشر مقاطع فيديو تمزج بين صور من هجوم حماس في السابع من تشرين الأول وصور أخرى تشير إلى إسبانيا وإيرلندا أو النروج، قائلاً إنّ حماس يمكن أن تشكر قادة هذه الدول.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الإسباني أن مدريد ودبلن وأوسلو ستقدّم ردّاً "حازماً" على "هجمات" الديبلوماسية الإسرائيلية.
وقال في ختام جلسة مجلس الوزراء بعد اعتماد المرسوم الذي يعترف بدولة فلسطين رسمياً "لا أحد يمكنه أن يخيفنا (...) نحن لا نصنع سياستنا الخارجية عبر الرد بالتغريدات، لدينا أفكار واضحة حول المسار الذي يجب أن نسلكه".
واجتمعت الحكومتان الإسبانية والإيرلندية الثلثاء في مدريد وفي دبلن، للمصادقة رسمياً على قرارهما الاعتراف بدولة فلسطين.
من جهتها، نقلت النروج مذكّرة شفوية إلى رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى الأحد، أشارت فيها إلى دخول هذا الاعتراف حيّز التنفيذ الثلثاء.
- تأثير على دول أخرى -
تأمل الدول الأوروبية الثلاث واثنان منهما عضوان في الاتحاد الأوروبي (إسبانيا وايرلندا)، في انضمام دول أخرى إلى مبادرتها ذات البعد الرمزي، مشددة على الدور الذي اطلعت به إسبانيا والنروج في عملية السلام في الشرق الأوسط في تسعينات القرن الماضي. فقد استضافت مدريد مؤتمرا للسلام في العام 1991 قبل سنتين على اتفاقات أوسلو في العام 1993.
وأعلنت سلوفينيا أيضا انها بصدد الاعتراف بدولة فلسطين. إلا ان المسألة تثير خلافات عميقة داخل الاتحاد الأوروبي.
وترى دول أعضاء أخرى مثل فرنسا أن الوقت غير مؤات راهنا. أما ألمانيا فلا تفكر باعتراف كهذا إلا بنتيجة مفاوضات بين الطرفين.
ومع إسبانيا وايرلندا والنروج تكون 145 دولة اعترفت بدولة فلسطين من أصل 193 أعضاء في الأمم المتحدة وفق تعداد للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وتغيب عن هذه القائمة غالبية الدول الأوروبية الغربية وأميركا الشمالية وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية.
وحتى الآن كانت السويد الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اعترفت بدولة فلسطين في العام 2014. اما تشيكيا وهنغاريا وبولندا وبلغاريا ورومانيا وقبرص فكانت قد اعترفت بها قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
بدأت الحرب في قطاع غزة بعد هجوم غير مسبوق نفذته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول تسبب بمقتل أكثر من 1170 شخصا، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
واحتُجز خلال الهجوم 252 شخصا رهائن ونقلوا إلى غزة. وبعد هدنة في تشرين الثاني سمحت بالإفراج عن نحو مئة منهم، لا يزال 121 رهينة في القطاع، بينهم 37 توفوا، بحسب الجيش.
وخلّف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة ردا على حماس ما لا يقل عن 36050 قتيلا، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.