هزّت المشاهد المرعبة والوحشيّة التي قامت بها "المربّية" جيني حلو خوري في حضانة Gardereve في الجديدة، وهي تعنّف أطفالاً وتوجّه إليهم الضربات من دون رحمة أو إنسانيّة، الرأي العام اللبناني.
ويبلغ طفل معنَّف ظهر في الفيديو المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، 11 شهراً، فيما ذكرت والدته أنّه بات بحاجة إلى علاج نفسي حالياً.
في حديثها لـ"النهار" تورد المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية حنان مطر، أنّ مركز الأمان لدى الطفل هو العاطفة، والإحساس العاطفي لديه في هذه المرحلة يكون بغاية القوة ويشعر من اللمسة أو النظرة إن كان مرغوباً فيه أم لا. لذلك، نتحدّث كثيراً عن تأثيرات الحرمان العاطفي للأطفال على مستقبلهم في العمر من صفر حتى ثلاث سنوات. فبقدر ما يكون الطفل مشبعاً عاطفياً في هذه المرحلة، يتحلّى بتوازن وصحة نفسية. وبقدر ما يتعرض للعنف، حتى اللفظي منه أو النظر، يبدأ الجانب النفسي من شخصيته في المستقبل بالاهتزاز.
لذلك، فإنّ المرحلة من صفر حتى ثلاث سنوات حساسة جداً وكفيلة بإنتاج جميع الاضطرابات النفسية للطفل في المستقبل. وتشرح مطر أنّ جميع سلوكيات الطفل خلال فترة ارتياده الحضانة، تكون نتيجة معاملة المربية له، لكونه يقيم نوعاً من محاكاة بينها وبين والدته، ويراها نموذجاً مصغراً عنها. لذلك، إذا تعرّض لأيّ عنف، تظهر عليه صعوبات تعلمية ويكره الانفصال عن والدته، في مراحل الطفولة اللاحقة.
في بداية الطفولة، على الوالدة الاهتمام به إن كانت قادرة على ذلك، بحسب مطر. وإذا اختارت وضعه في حضانة، فعليها اختيار الحضانة الموائمة على المستوى النفسي والأمان والسلوك، إذ يمكن معرفة إن كان الولد يتعرّض للعنف في الحضانة من مظاهر عديدة، فهناك مراحل لا بدّ من أن الطفل مرّ بها إلى أن وصل إلى هذا العنف، والأمر لم يحصل فجأة. لذلك على الأهل التنبّه جيداً للأمور التالية:
– تصرّف الطفل بسلوكيات معينة غير مسبوقة، تدلّ على أنّه على غير عادته.
– نوبات بكاء حادّة وطويلة بلا سبب ولا سيما ليلاً.
– رفضه الانفصال عن والدته.
– البكاء فوراً لدى ضمّ أمّه إليه.
– الخوف الفجائي.
– ردود فعله غير طبيعية خصوصاً إذا غابت والدته عن ناظريه وهنا يبدأ بالصراخ.
– النفور من الأشخاص الغرباء بعدما كان الطفل اجتماعياً.
– عدم الانسجام والاندماج مع أيّ شخص.
– حالات من الاستفراغ.
– جسمه لا يتقبّل الطعام، كردة فعل على ما يتعرّض له.
– إن كان في عمر لم يعُد يرتدي فيه الحفاضات، قد يحدث معه التبوّل اللاإرادي وهو نائم ليلاً.
– الصراخ صراخاً شديداً فجأة وهو نائم.
وهناك تأثيرات نفسية قد تظهر على الطفل فوراً بعد تعرّضه للعنف، إذ ستظهر عليه علامات كثيرة سواء لناحية القدرات والوظائف أو سمات الشخصية في الأشهر المقبلة، مثل:
– التوقّف عن الكلام إن كان قد بدأ بالتلفّظ ببعض الأحرف.
– التأخّر في المشي بسبب تأخّر جهازه النفسي والعصبي.
– صعوبات تعلمية.
– تأثّر القدرات الوظيفية.
هل من علاج نفسي؟
بحسب مطر، لا يمكن معالجة الطفل في أعمار الرضَّع، بل تُخصَّص له بيئة آمنة، تتضمّن اللعب والتعبير عن المشاعر والأحاسيس لمساعدته على تخطّي المشهد الذي تعرّض له. وهنا تلفت مطر إلى ضرورة عدم إغراق الطفل في هذه الحالة عاطفياً، للتمكّن من ضبط سلوكه في المستقبل، مع وجوب تعزيز الاستقلالية والثقة لديه.
ومن المهم جداً، وفق مطر، أن يقصد أهالي الطفل المعنَّف معالجاً نفسياً لمعرفة ما عليهم فعله مع الطفل في هذه المرحلة بالتحديد. وعليهم محاولة تجاوز هذه الصدمة وعدم عكسها على الطفل. وبالتدريج، لدى إرساله إلى المدرسة لاحقاً وتعريضه لبيئة مختلطة، يمكن قياس مدى اندماجه وانسجامه معها، إلى جانب مراقبة سلوكياته باستمرار من خلال الاختصاصيين النفسيين الموجودين في المدرسة.
مربّية "مضطربة نفسياً"
أمّا لناحية المربّية المعنِّفة، فتصفها مطر بـ"المضطربة نفسياً"، و"هذا أمر أكيد، فالأنثى بطبيعتها كتلة من الأحاسيس والمشاعر، ولا يمكنها أن تعنّف طفلاً بريئاً بين يديها إلّا إن كانت تعاني من اضطراب ما، وغير قادرة على الفصل بين اضطراباتها والأشخاص الآخرين، وتسقط هذه الاضطرابات على الطفل".
وليس هناك أي أسباب تخفيفية لهذه السيدة، بحسب مطر، و"مهما كانت ظروف حياتها الاقتصادية أو الحياتية صعبة، لا تبرّر فعل أن تصل إلى مرحلة هذا الغضب والانفعال تجاه طفل عمره أشهر".
وفي الحضانات المحترمة، على المربّية داخل الصف أن تكون متخصّصة بالتربية المختصّة التي تتضمّن حصص علم نفس في مراحل تطوّر النموّ لدى الطفل. وقبل بدئها بالعمل في تربية الأطفال، عليها أن تقوم بمرحلة تطهير من اضطراباتها إن وجدت.