مع القصف والهجوم الوحشي على قطاع غزة، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات وصور تظهر اليوميات القاتلة في غزّة، حيث يعاني الشعب الفلسطيني المظلوم... ووسط هذه الحرب، دأب العديد من سكان غزة، ومن ضمنهم صحافيون، على نشر مقاطع فيديو، من دون مراعاة العامل المهني والنفسي للعائلات والأطفال، علماً بأنّ الانخراط في عالم وسائل التواصل ليس مقتصراً على البالغين، بل يشمل الأطفال والمراهقين، الذين يتلقّون أساساً كلّ موادّ وسائل التواصل.
بالموازاة، لا تتوانى بعض وسائل الإعلام في نقل صور المجازر في غزة، من دون حجب المقاطع الحسّاسة، سواء أكان العرض تأييداً لمظلومية غزّة أم لتحقيق مشاهدات كبيرة؛ مع العلم أن بعض القنوات التلفزيونية تخصّص نقلاً مباشراً لأحداث غزة على مدى 24 ساعة.
فكيف نحمي أطفالنا من المشاهد العنيفة؟
أظهرت دراسات علمية سابقة أنّ مشاهدة الأطفال صوراً مؤذية تسبّب تغييراً في سلوكهم، أكان باتجاه الميل إلى العنف أم باتجاه افتقادهم إلى التعاطف.
وفي هذا الصدد، يشرح الطبيب النفسي والبروفيسور سامي ريشا كيفيّة مقاربة هذه المسألة بالطريقة العلمية، فيقول إنّ "صور الحرب تؤثر في أطفالنا، تماماً مثل البالغين، ممّا قد يدفع البعض إلى الخوف والقلق، والبعض الآخر إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وتالياً فإنّ العنف ظاهرة معقّدة. لا نصبح عنيفين في سنّ البلوغ، بل نصبح كذلك بسبب العديد من العوامل التي تؤدّي دورها في تكوين هذه الصفة، خصوصاً خلال مرحلة الطفولة؛ لذا يجب عدم تسخيف ما يحصل، وعلينا شرح الحقيقة".
من ناحيتها، تشير المعالجة النفسية يارا سنجب إلى أنّ "الوضع النفسي للأطفال يتأثر بعد تعرّضهم لكميّة من محتوى العنف. وهذا الواقع لا يطال الأطفال فحسب، بل الكبار أيضاً، لكن ما يجعلهم مختلفين هو عدم نضج الأطفال للتخفيف من وطأة المشاهد في أذهانهم؛ لذا تبقى الصورة عالقة في ذاكرتهم لفترة طويلة، وربما يحلمون بها خلال الليل لفترة طويلة أيضاً". وتضيف: "ستراودهم فكرة الموت مراراً وتكراراً. وهنا الأمر يُعتبر طبيعياً، لكن التعرّض لهذا المحتوى على فترة طويلة يعزّز هذه الفكرة، ممّا يدفعهم إلى طرح أسئلة عدّة، تؤثر سلباً في نفسيّاتهم".
وتشير سنجب إلى بعض الإرشادات للتعامل مع هذه الحالة:
- عدم ترك الأطفال بمفردهم خلال مشاهدة هذه الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن هنا ندخل في معضلة عدم السماح للأطفال دون السبع سنوات بأن يكون لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
- التكلّم مع الطفل على هذا الموضوع، والتواصل معه لمعرفة مدى تأثره بما يُعرض، بل قد نطرح عليه بعض الأسئلة، مثل: "كم من الوقت تبقى الصورة في ذهنك؟ برأيك، لماذا يتمّ عرض هذا النوع من الصور؟ كيف تضايقك؟". من خلال هذه الأسئلة سيتكوّن عنده نوع من الوعي. لكن سنجب تلفت إلى أنّه بالرغم من ذلك، سيحاول الطفل العثور على هذه المشاهد، خصوصاً أنه يشعر بالفضول والرغبة في مشاهدة طفل مثله في ظروف مختلفة، وهذا الأمر لا هروب منه، لذلك علينا التكلم معه.
وبحسب دراسة أجرتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، فإنّه "مع تعرض الأطفال لمحتوى صادم، تختلف استجاباتهم. وثمّة أطفال يسيطر عليهم الخوف، وقد يفضّلون البقاء في المنزل، كما أنهم قد يواجهون صعوبة في النوم والتركيز في المدرسة. وثمّة مَن قد يشكو من الصداع وآلام المعدة وأعراض أخرى غامضة، بل قد تزعجهم التغييرات الطفيفة في الروتين اليومي بشدّة". وهذه العوارض تظهر في حال بقي التعرّض لهذا المحتوى قائماً لمدة طويلة. وقد يعرّضهم ذلك إلى حلّ مشكلاتهم بطريقة عنيفة، كما قد يصبحون غير حسّاسين تجاه العنف وألم الآخرين وضيقهم.
ومن الآثار الملاحظة لمشاهد العنف على الأطفال أن هؤلاء قد يُصابون بحالات من الانطواء، فيتجنبون الناس والاختلاط بمن حولهم. وبحسب الأكاديمية، فإن من أفضل الإرشادات لمساعدة طفلك التأكّد من أنه يشعر بالأمان، لذا عليك أن:
- تكون إلى جانبه إن لزم الأمر، ومحاولة مراقبته، وحمايته بشكل كافٍ، طوال النهار والليل.
- مناقشة أيّ مواقف خطرة قد تكون محتملة، وكيفيّة تجنّبها في المستقبل.
- تشجيعه على التعبير عن مخاوفه، وطمأنته بأنّه آمن، من خلال إعلامه بالخطوات التي اتُّخذت لضمان حمايته.