في بلد تتعدّد فيه أنواع الأزمات وتنعكس أخيراً أزمات نفسية في نفوس الأفراد، نشهد إقبالاً كبيراً على ممارسة رياضة الملاكمة كنوع من التنفيس وإزالة الضغوط النفسية والحالات الصعبة من جهة، والدفاع عن النفس إزاء أي تعرّض من جهة أخرى. وباتت الملاكمة وسيلة جديدة لجميع الشرائح العمرية من إناث وذكور للتمويه وتحسين المزاج، ورفع الثقة بالنفس.
"أشعر بنفسي أقوى وذات ثقة أعلى بنفسي منذ أن بدأت بممارسة الملاكمة"، هذا ما تؤكّده رانيا. وتتحدّث الفتاة العشرينية لـ"النهار"، أنّ القوة تزيد من شعور الثقة بالنفس، "حتى إنّ مزاجي تغيّر وصرت شخصاً أهدأ".
أمّا سالي، فتُدرّب ولديها الاثنين على الملاكمة. وقد بدأت ابنتها ذات الـ11 عاماً صفوف الملاكمة منذ سنة، و"لاحظت فرقاً إيجابياً في سلوكها وأدائها المدرسي منذ أن بدأت بهذه الرياضة"، تروي سالي لـ"النهار". أيضاً، يتدرّب ابنها البالغ من العمر سبع سنين على الملاكمة منذ ثلاث سنوات.
في ظل الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، والأزمات "بالجملة"، ومع الاعتداءات والسلب والسرقة وغيرها من الأحداث الأمنية التي قد يتعرّض لها الناس في الشارع، يلجأ الكثيرون إلى الألعاب القتالية للتمكّن من الدفاع عن أنفسهم إذا ما تعرّضوا لأيّ موقفٍ مشابه، هذا ما يورده مدرب ملاكمة muay thai يوسف عويدات، في حديثه لـ"النهار". ويشهد إقبالاً كبيراً من نساء ورجال وشباب وأطفال من جميع الشرائح العمرية على هذه الرياضة.
ويعطي عويدات مثالاً آخر كدافع للدفاع عن النفس، عندما درّب شابّةً تعرّضت للاغتصاب، ولجأت إلى الملاكمة كردة فعل على ما جرى معها، ولترفع من قدراتها الدفاعية.
وإذا ما تحدّثنا بالجانب النفسي لهذه الرياضة، فهناك أهالٍ كثيرون يتّجهون بأطفالهم إلى ممارسة الملاكمة بسبب تعرّضهم للتنمّر في المدرسة، بهدف تنمية شخصيتهم وتقويتها إزاء هذا التعرّض المعنوي. وقد ساعدتهم هذه الرياضة في أن يتغيّروا إلى الأفضل ويصبحوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم جسدياً ومعنوياً، ورفعت من ثقتهم بأنفسهم.
وعلى مستوى التحرّر من الضغوط النفسية، يورد عويدات أنّه يدرّب حالات تعاني من بعض المشاكل النفسية مثل الاكتئاب، بحيث طلب أحد المعالجين النفسيين من إحدى الشابات التي يدرّبها عويدات أن تمارس رياضة الملاكمة لمساعدتها على التخفيف من الاكتئاب.
هذه الحالات، ومعها الحالات التي تعاني من التأثيرات السلبية للأزمات الحالية، تتدّرب على الملاكمة ثلاث مرات في الأسبوع مع عويدات، ويشعرون بارتياح كبير وبحالة نفسية ونوم أفضل. ويلفت المدرّب إلى أنّ هناك طبعاً أشخاصاً يتّخذون من هذه الرياضة هواية ومنهم مَن يرغب بالتنفيس من ضغط العمل اليومي.
وعن العمر الذي يمكن البدء بممارسة الملاكمة فيه، يقول عويدات إنّنا "نختبر الطفل في عمر ثلاث سنوات ونصف إن كان مستعداً لفهم هذه الرياضة".
الملاكمة مساعِد في بعض العلاجات النفسية
تتحدّث المعالجة النفسية ماري شاهين أنّ "الرياضة عامة تقوم بنوع من التحفيز الدماغي للغدّة المسؤولة عن الشعور بالمزاج في الدماغ، وهي بالتالي تزيل الضغط النفسي، لكنّها ليست علاجاً وحدها بل مساعد في علاج بعض الحالات النفسية".
أمّا في ما يتعلق برياضة الملاكمة بالتحديد، فننصح بها لمَن يعانون من مشاكل في السيطرة على غضبهم وعلى انفعالاتهم السريعة، وهنا تساعدهم الملاكمة على التنفيس عن هذا الغضب، لكن يُفترض أن تترافق ممارسة الملاكمة هذه مع ممارسة اليوغا، إذ لا ينبغي الاكتفاء بإخراج الشعور بالعدائية والتنفيس.
كذلك ينصح علم النفس مَن يعانون القلق وصعوبات بالنوم، بممارسة الملاكمة، فهذه الرياضة تحتاج إلى مجهود جسدي كبير وترهق الجسم، بالتالي، يحصلون على نوم أفضل.
لكن يُنصح مَن يعانون قلقاً مصحوباً باكتئاب، بالذهاب إلى الطبيعة وممارسة المشي فيها لتساعدهم على الهدوء.
وتلفت شاهين إلى أنّه في علم النفس، لا يمكن التعميم في جميع الحالات ونتعاطى مع كل حالة بحالتها. فمثلاً، يمكن أن ننصح فتاة تفتقر إلى الثقة بنفسها وتعيش حالة اكتئاب، بأن تتّجه إلى أساليب الدفاع عن النفس لمساعدتها مثل الملاكمة.