مَن منّا لم يكذب مرة واحدة في حياته ولو "كذبة بيضاء"، أي كذبة غير ضارّة ولا تحمل في طياتها نية سيئة. وهناك مثل قائل إنّ "الكذب ملح الرجال"، لكن فعل الكذب لا ينحصر بجنس أو عمر معين، إنّما يمارسه الطفل منذ صغره ليهرب من العقاب.
هل فكرتم مرة من أين أتى "يوم كذبة نيسان"؟ ولماذا يصبح الكذب مادة للاحتفال أو المزاح أو الاحتفاء به كمناسبة عالمية؟
على الرغم من أن أصول هذا "الاحتفال" غير دقيقة وغامضة، احتُفل به لعدة قرون من قبل ثقافات مختلفة. ويتكهّن بعض المؤرخين، بحسب موقع History، بأنّ يوم كذبة نيسان يعود إلى عام 1582، عندما تحوّلت فرنسا من التقويم اليولياني إلى التقويم الغريغوري. وفي التقويم اليولياني، كما في التقويم الهندوسي، يبدأ العام الجديد في 1 نيسان. لكن الأشخاص الذين فشلوا في إدراك أن بداية العام الجديد في فرنسا قد انتقلت إلى 1 حزيران مع التقويم الغريغوري، واستمروا في الاحتفال به خلال الأسبوع الأخير من آذار حتى 1 نيسان، أصبحوا موضع النكات والخدع وكان يطلق عليهم "حمقى".
وتضمنت هذه المقالب وضع سمكة ورقية على ظهورهم والإشارة إليها باسم "poisson d'avril" (سمكة نيسان)، والتي يُقال إنها ترمز إلى سمكة صغيرة يسهل صيدها وشخص ساذج، للدلالة على وقوع هذا الشخص في الفخ.
كما ربط مؤرخون يوم كذبة نيسان بمهرجانات مثل هيلاريا (البهجة باللاتينية)، والتي كان يحتفل بها في روما القديمة في نهاية شهر آذار، وكان الأشخاص يرتدون ملابس تنكّرية ويسخرون من المواطنين والقضاة.
وانتشر "يوم كذبة نيسان" في جميع أنحاء بريطانيا خلال القرن الثامن عشر، وأصبح التقليد حدثاً يستمر يومين، في اسكتلندا. وساهم احتضان وسائل الإعلام والعلامات التجارية الكبرى لنكات "يوم كذبة نيسان" في إطالة عمر هذا التقليد.
ما علاقة الإنسان بالكذب؟
منذ صغره، لدى الإنسان اتجاه يُسمّى بالـmythomanie ، فالطفل يكذب ليخدم خياله، وأحياناً يعتبره دفاعاً عن النفس، ويعتبر الكذب لدى الأطفال نوعاً من تطوير المخيّلة لديهم، والأهل في هذه الحال يخالون أنّه يكذب.
لكن على عمر كبير، تشرح المعالجة النفسية الدكتورة ماري شاهين في حديث لـ"النهار" أنّ هناك أشخاصاً يعانون من أمراض نفسية ويعيشون أوهاماً، والناس يخالونهم يكذبون، إذ فهناك خيط رفيع يفصل بين الشخص الذي يعيش الوهم والشخص الكاذب.
أمّا عن الأشخاص الذين يكذبون حتى دون أدنى تفكير ويختلقون القصص، فتقيّم شاهين أنّ هذا جزء من اضطراب نفسي، لأنّ من يقوم بهذا العمل يحاول أن يعيش نكران الحقيقة والواقع، وهناك أشخاص يكذبون الكذبة ويصدقونها، وأشخاص يحوّرون الأحاديث التي يسمعونها، وهنا نتحدث عن أعراض لأمراض نفسية مختلفة.
هل يمكن للإنسان أن يعيش بصدق تام؟
تجيب شاهين "بالطبع كلا"، فالأشخاص، ومهما كانوا صادقين، لا بدّ وأن يكذبوا أكاذيب صغيرة تكون بنية حسنة، سواء لحماية شخص ما أو لتفادي مشكلة بين شخصين.
أحياناً تكون تداعيات الصراحة قاسية، وكذلك تكون تداعيات الكذب بشعة إذا ما اكتُشف. وهناك أشخاص دفعوا حياتهم ثمن صراحتهم لاسيما في الأنظمة الدكتاتورية، لذا، لا يمكن للإنسان دائماً قول الحقيقة كما هي في عالم تتعدّد فيه الشخصيات وأنماط التفكير، ويسهل استخدام الكذب لدى البعض للتمكّن من التأقلم وسط هذا التنوع الكبير.
هل يكون الكذب مقبولاً؟
الكذب للتخطيط لمفاجأة شخص ما أمر مقبول طبعاً. وربما يكون الكذب مقبولاً أيضاً عندما يهدف إلى إنقاذ حياة شخص ما. لكن من أجل صحتنا العقلية، يورد موقع Psychotherapy أنّ من الأفضل أن نسعى جاهدين إلى عدم الكذب. ففي العلاقات، الصدق يعني التعرف إلى بعضنا البعض، ما يساعد على تحسين أنفسنا وعلاقاتنا.
ماذا عن "الكذبة البيضاء؟
الأكاذيب، وإن كانت "صغيرة" أو "بيضاء"، هي كذب وتضليل للإنسان. فالكذب، مهما كان كبيراً أو صغيراً، يخلق فجوة بينك وبين الشخص الآخر: فأنت لا تُظهر ما تعتقده حقاً أو ما فعلته حقاً. بهذه الطريقة، فإنك تضيع فرصة التعرف إلى الآخر بعمق.
المعالج النفسي الدكتور زاهر كريم في حديثه لـ"النهار"، يرى أنّ المجتمع اللبناني يولي أهمية كبيرة للصورة، أي صورة الشخص أمام الناس. وهناك أشخاص يكذبون كذبة بيضاء وصغيرة جداً غير مؤذية، لكي تبقى صورتهم لامعة دائمة. لكنّ هذا الشخص لا يدرك أنّ صورته تصبح أفضل في عين المجتمع إن لم يكذب هذه الأكاذيب.
ومن تداعيات الكذبة البيضاء، وفق كريم، أنّها تجعل الشخص يعتاد الكذب، وإن كانت أكاذيب لا تضرّ، لكنّها تكسر الحاجز بين الشخص وفعل الكذب عامة.
وبرأي كريم، لا يمكن التعميم بأنّ جميع الناس ليسوا صادقين، والأمر يعود بشكل أساسي إلى التربية في الطفولة وإلى مجموعة المبادئ التي يتعلّمها في هذه المرحلة.
فتعليم الطفل قول الحقيقة ينمي لديه قيمة أكبر للصراحة في الكِبر، ويعلّمه أنّ تداعيات إخفاء الحقيقة أكبر من إعلانها. وهنا يجب على الأهل إعطاء الأمان لأطفالهم كيلا يخافوا قول الحقيقة كما هي. كذلك، فإنّ المصارحة تقوّي الشخصية، إذ بمجرّد تحمّل الشخص مسؤوليته عن أمر ما، ولم يخفه ويقبل بالمواجهة، تصبح شخصيته أقوى.