خلال فترات الإغلاق التام بسبب فيروس كورونا، أدرك الكثيرون تأثير اللمسة الإنسانية في حياتهم، بعد أن افتقدوها أو انخفض حضورها في حياتهم، لا سيما أنّ المناطق نفسها في دماغك التي تُشبَع عند تناول الطعام، تُشبع أيضاً باللمسة الإنسانية، خصوصاً بالعناق. فالعناق يجعلك تشعر بالهدوء والأمان والاسترخاء.
ما الذي يجعل العناق يُشعرك بالارتياح؟
يورد مقال نشره موقع very well mind، أنّ السبب هو "الأوكسيتوسين"، أو "هرمون الحب"، الذي يؤدي دوراً رئيسياً في الجهاز التناسلي الأنثويّ، خاصّة عند الولادة، ثم بعد الولادة والرضاعة الطبيعيّة. فللأوكسيتوسين آثار اجتماعية، مثل الارتباط والثقة والاحتضان والترابط الزوجيّ. ويُعرف الترابط بالرغبة في قضاء المزيد من الوقت مع شخص ما، إذ يساعد إطلاق هذا الهرمون على تسهيل هذا الترابط عن طريق تنشيط مراكز المتعة في دماغك.
وإذا كنت ترغب في الحصول على كل الفوائد التي يمكنك الحصول عليها من العناق، فقد وجدت دراسة أنّ العناق لمدة 5 أو 10 ثوانٍ ارتبط بمعدّلات متعة أعلى بـ15 مرة مقارنة بالعناق لمدّة ثانية واحدة.
وفي مقال ورد في موقع healthline، يشرح بأنّ لدى البشر نظامين متميّزين للّمس: الأول هو نظام اللمس السريع، ويسمّى اللمس التمييزيّ، الذي يمكّن أعصابنا من اكتشاف وتمييز الاتصال ببشرتنا؛ والثاني هو نظام اللمس البطيء الذي ترتبط فيه الألياف العصبيّة باللمس العاطفي، ومعالجة الجوانب العاطفية للعناق أو المداعبة. فمع كلّ ما يحمله من مشاعر ومعانٍ، لا عجب في أنّ العناق يؤدي دوراً مهمّاً في علاقاتنا وصحّتنا العقليّة، وهو نوع من اللمسات المريحة للغاية والتواصليّة.
وتتحدث المعالجة النفسية الدكتورة ماري شاهين لـ"النهار" عن العناق كتحية دافئة ومرحِّبة، إذ يُعتمد أيضاً كطريقة سلام تلغي الحواجز بين الطرفين، بل عهد مسالمة بينهما، إذ إنّ فعل العناق يعني الشعور بالأمان والتسليم بالأمان للطرف الآخر.
كما يُعدّ العناق لمسة علاجية، وإشارة إلى الودّ والرّعاية. ويساعدنا العناق على الارتباط مع الآخرين، وتجربة الشعور بالأمان والراحة والتعاطف والهدوء؛ وهي صفات يتوق إليها الكثيرون بشدّة، خلال الفترات السيّئة.
وتبدأ تلك المشاعر بالظهور منذ طفولة الإنسان، إذ إنّ التعبير العاطفي مهمّ جداً لنمو الطفل، ويبدأ منذ حمل الأم طفلها على يديها، ثم احتضانه بين جنبيها. لذلك، عندما يكبر الإنسان، يشعر بالارتياح عندما يعانق، ويعود إلى شعوره في حالته الأولى، عندما كان طفلاً بين يدي أمّه خالياً من الهموم.
وتضيف شاهين أنّ لغة الجسد أمرٌ بالغ الأهمية في حياة الإنسان، وتُعدّ إحدى لغات الحب. ومن تأثيرات العناق أن الشخص الغاضب لا بد له من أن يهدأ فوراً حين يعانقه شخص آخر. لكن الأمر لا ينطبق، وفق شاهين، على بعض الحالات، كالمصابين بالتوحّد، أو الذين تلقّوا عنفاً جسدّياً، فاللمس بشكل عام يُصبح أمراً يُخيفهم.
كذلك، للعناق تأثير لحظويّ وموقت، ومن المهمّ عدم الاكتفاء به بين لغات الحبّ، وفق إشارة شاهين، لأنّه لوحده لا يكفي، وتجب مراعاة تنويع لغة العاطفة، من لمس اليد إلى التربيت على الكتف إلى التقبيل الخفيف. كذلك، من المهم أن يحظى الإنسان بلغة عاطفية دائمة لكي يشعر بالاستقرار النفسي والعاطفي. بالتالي، سينعكس الأمر على رفاهيّته وحياته وصحتّه.
من جانبها، توضح الاختصاصية في علم النفس في "كليفلاند كلينيك"، سوزان ألبرز، بأنّ المعانقة تساعد في تخفيف التوتر لدى النساء أكثر من الرجال، وتنصح بألّا يكون العناق كأنّه عمل روتيني، داعيةً الشخص إلى أن يكون حاضراً بإحساسه في لحظة العناق.
ولا مانع من الاكتفاء بلمس المتعانقين أيدي بعضهم أو فرك ظهور بعضهم، وذلك يوفّر نفس فاعلية العناق الدافئ.
كيف يؤثر غياب العناق على صحتك النفسية؟
ينشّط العناق مراكز المكافأة نفسها. لذلك، إذا لم تحصل على المودة الجسدية، فقد تشعر وكأنك متعطش للّمس.
ويرتبط عدم تلقّي ما يكفي من المودّة الجسديّة بالشعور بالوحدة، الاكتئاب، الضغط، التقلّبات الشخصيّة، الألم الجسديّ، نوعية نوم سيّئة.
ما تأثير العناق على صحتك؟
- يحسّن نومك
للأوكسيتوسين آثار مهدئة للقلق، تجعل نومك أكثر راحة. ويمكن أن يؤدّي العناق إلى انخفاض في هرمون الكورتيزول، وهو "هرمون التوتر"، مما يؤدي إلى تهدئة جزء الدماغ الذي يستجيب للتهديدات.
- يزيد من متعتك ورفاهيّتك
أظهرت دراسة أنّ اللمس خلق روابط اجتماعيّة تساعد في الحفاظ على علاقات اجتماعية تساهم في الرفاهية. بيولوجياً، يعمل اللمس على نفس أنظمة الدماغ التي تعمل بها المواد المخدِّرة، لتعزيز شعور المكافآت والوصول إلى النّشوة.
- يحسّن من مناعتك
أظهرت إحدى الدراسات أنّ الذين تلقّوا المزيد من العناق، أصيبوا بالمرض بشكل أقل. وعندما مرضوا، كان المرض أقل حدة.
- يحسّن صحة القلب والأوعية الدمويّة
تبيّن أنّ المعانقة مفيدة أيضاً لقلبك. فقد يكون للعناق لمدة 20 ثانية تأثير في خفض الضغط، ممّا يؤدّي عموماً إلى تحسين صحّة القلب على المدى الطويل.
- مشاكل أقلّ
قد يؤدي العناق إلى قدر أقلّ من المشاكل، ويخفّف من المشاعر السلبيّة المحتملة، إذ يعمل كمنطقة عازلة ضد التوتر؛ وهو يربط بين الأشخاص بزيادته الأمان، والدعم الملموس للشريك، وتعزيز العلاقة الحميمة، وزيادة الرضا عن العلاقة، وحلّ النزاعات بشكل أسهل، وكلّها تدعم حلّاً أكثر سلميّة.
- أداء أفضل للفِرق
أظهرت دراسة أنّ فِرق كرة السلة التي لديها معدّلات تلامس أعلى، بما في ذلك العناق، كان أداؤها أفضل من الفرق ذات المعدلات المنخفضة، لأنّ العناق واللمسات أثبتت للّاعبين أنهم يستطيعون الثقة ببعضهم البعض.
- يقلّل من أعراض الألم
إذن، كم نحتاج من العناق؟
قالت المعالجة الأسريّة فيرجينيا ساتير في حديث لـ healthline "إنّنا بحاجة إلى 4 أحضان يوميّاً من أجل البقاء، وبحاجة إلى 8 أحضان في اليوم من أجل الحفاظ على الاعتدال في صحتنا النفسية، وإلى 12 عناقاً يوميّاً. لذا، وللحصول على صحّة مثاليّة، يجب أن تنعم بالعناق لمرات عديدة في اليوم، إذ أثبت العلم أنّ العناق المنتظم مع الأشخاص الأقرب إليك، حتى لو كان قصيراً، يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابيّة على عقلك وجسمك.