عبد القادر دمج
تعرّ، نباح، تحرّش لفظيّ وسلوكيّات غير أخلاقيّة. هذا بعض ما يُنشر اليوم من خلال وسائل التواصل على هواتف أطفالكم ومَن حولكم، خاصّة عبر "تيك توك"، الّذي يؤمّن دخلاً ممتازاً لبعض الـ"مؤثّرين" أو "أصحاب المحتوى" كما يطلقون على أنفسهم.
كيف ينعكس ما يشاهده الأطفال والشباب من محتوى فاسد ومنحدر عبر وسائل التواصل على حياتهم؟ وهل من اقتراحات لدى أهل السلطة لوضع حدّ لما يحدث من مهزلة وفساد ثقافيَّين؟
التأثير النفسيّ على المراهقين
على الصعيد النفسيّ تشير الاختصاصيّة النفسية الدكتورة كريستينا رياشي رئيسة مجموعة "Brain Station"، أنّه وبناءً على دراسة جامعة "أوكسفورد" على ملايين الأشخاص تبيّن أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي -بشكل عام- ردودَ فعلٍ إيجابيّةً كونها تصل الأفراد بالعالم الخارجيّ وتطلعهم على مجريات الأحداث العالميّة.
أمّا بالنسبة إلى "تيك توك"، فبرأيها هي "حالة خاصّة" من "السوشيل ميديا" حيث أكّدت رياشي أنّه "يؤدّي إلى حالة من الإدمان تفوق تلك التي تسبّبها باقي المنصّات، نظراً لسهولة استخدامها وترحيبها بشتى أنواع المحتوى، إضافة إلى المداخيل المادية الضخمة التي يكسبها "التيك توكرز"، ما يجعله وجهة لكلّ من يطمح إلى الشهرة أو المال، كما أنّه يشتّت تفكير الأطفال ما يؤدّي إلى تراجع المستوى العلميّ والثقافيّ لديهم، ناهيك عن تأثيره على ثقة الشخص بنفسه وعلى أفكاره ونمط حياته، وبالتالي سلوكه يتعرّض مستقبله للخطر"
وبرأي رياشي، لا يكمن الحلّ في حجب "تيك توك" أو أيّ منصة أخرى بشكل كلّيّ، بل في الرقابة والتوعية، لأنّ "كلّ ممنوع مرغوب"، فحرمان الأطفال من شيء، ينمّي لديهم الفضول والرغبة في ممارسته دون معرفة الأهل.
تعتبر أستاذة علم النفس الطبّيّ في جامعة "كولومبيا" والمديرة المؤسّسة لعيادة جامعة "كولومبيا" للقلق والاضطرابات ذات الصلّة آن ماري ألبانو أنّ "المراهقين، وخاصة أولئك الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو الاكتئاب، قد يميلون إلى قضاء المزيد من الوقت على "الإنترنت" وتقليل اتّصالهم الحقيقي وجهاً لوجه مع الآخرين". وتابعت: "عندما لا ينخرط الفرد في العالم بطريقة صحية - كالتفاعل مع الآخرين، أو التحكم بنفسه في المواقف الصعبة والتحديات التي قد تواجهه، أو التحدّث بثقة في مجتمعه- فإنّ هذا يمكن أن يؤدّي إلى تفاقم مشاعر الاغتراب، واليأس، والعزلة، والقلق، والاكتئاب"
وعن مقارنة الفرد بالآخر، أضافت ألبانو أنّ عقلية "ثقافة المقارنة" التي تشجّعها منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك" يمكن أن تشكّل تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى الشباب، "أيّ طفل عرضة للقلق بشأن صورته الذاتية، ويشعر بالقلق بشأن التكيّف أو ما يعتقده الآخرون عنه، سوف يقارن نفسه حتماً بعدد الإعجابات أو الأصدقاء أو المتابعين الذين يمتلكهم الآخرون عندما يتّصل بالإنترنت". وتابعت: "إنّهم ينظرون إلى هذه المواقع من خلال عدسة سلبية مفادها: "لن أكون جيّدًا مثل هؤلاء الأشخاص"، وهذه العقلية تعرّضهم لخطر زيادة الاكتئاب والعزلة".
أمّا على صعيد آلية ظهور المحتوى، ونقلاً عن الموقع الرسمي لـ"Clarity clinic" فلقد تمّ تصميم "تيك توك" عمدًا ليكون بمثابة حفرة لا تنتهي من المحتوى. بمجرّد أن تُظهر اهتمامًا طفيفًا تجاه مقطع فيديو واحد، حتى بدون "وضع القلب" عليه للإشارة إلى إعجابك بالفيديو، سيظهر أمامك مقاطع فيديو مماثلة على الفور. يمكن أن يكون لهذا النهج المبنيّ على الخوارزمية تأثير كبير على المستخدمين، كما يوضح فرنسيس، وهو طالب يبلغ من العمر 18 عامًا في الفيليبين: "عندما أشاهد مقطع فيديو حزينًا يمكن أن أشعر بالتعاطف معه، تظهر فجأة مقاطع فيديو مشابهة ما يؤثّر على ما أشعر به."
مجلس النوّاب
في حديث لـ"النهار"، ألقت رئيسة لجنة المرأة والطفل في مجلس النوّاب النائب عناية عزّ الدين الضوء على الانحدار الثقافي والتوعوي الذي يواجه مجتمعنا معتبرة أن: "على الرغم من المخزون الثقافي والحضاري في منطقتنا تمّت الإطاحة بالمبادئ والقيم تحت شعار "الحرية الشخصية".
وتابعت: "لتكوين مناعة وثقافة لدى القاصرين وتعزيز المنظومة الأخلاقية بشكل عام، تقدّمتُ باقتراح قانون منذ عام ٢٠١٩ لحماية الأطفال على "الإنترنت" يتضمّن تعديل مادة من مواد قانون المعاملات الإلكترونية تتعلّق باستغلال الأطفال على "الإنترنت"، يحجب المنابر التي تشكّل خطراً على حياتهم، وكان قد أقرّ عبر لجنة الصحة، ونحن نعمل اليوم على استشارة خبراء متخصّصين لسبكه وتعزيز قواعده وإعادة طرحه".
وفي السياق، شدّدت عز الدّين على الدور التوعوي من قبل الأهل ووسائل الإعلام: "يجب أن يترافق مع تطور التكنولوجيا السريع نهضة تربوية وثقافية في المجتمع، ما يحمي الأطفال من مخاطر قد تواجههم وتشكّل لديهم مناعة قوية ضدّها".
وفي الإطار نفسه، أضافت: "نحن لسنا ضدّ التكنولوجيا، على العكس، نحن مع استخدامها والاطّلاع على مزاياها من منظور هادف مع الحفاظ على اللياقات الاجتماعية".
أمّا بالنسبة إلى حجب "تيك توك" بشكل كلّيّ، فاعتبرت أنّ "المشكلة تكمن في المحتوى وليس في الوسيلة؛ فالوسائل متعدّدة ومتجدّدة مع النهضة التكنولوجية، أمّا الخطورة فتكمن في المحتوى المطروح عبر هذه الوسائل".
وعلى سبيل الحلول ألقت عزّ الدين الضوء على إمكانيّة طرح تعاون مع دول عدّة مشتركة بمعاهدات دوليّة مختصّة بالمحتوى الرقميّ وحماية الطفل للتوصّل إلى أسس سليمة للحدّ من الخطورة التي تواجه الأطفال عبر وسائل التواصل.
اقتراح قانون لحماية الأطفال
ترى ريما صليبا رئيسة جمعية "نضال من أجل الإنسان" أنّ "أولادنا جميعاً دون استثناء معرّضون للتأثّر بما يشاهدونه عبر وسائل التواصل" لهذا السبب تقوم الجمعية بإعداد اقتراح قانون رقابيّ يستند على قانون العقوبات للحدّ من "تسليع" الأطفال على وسائل التواصل يحميهم من المحتوى المنحلّ أخلاقيّاً ويعيد توجيه استخدام هذه الوسائل، كما سيتمّ طرح هذا الاقتراح على الكتل النيابية وسيجري الاطّلاع عليه من قبل وزارتَي التربية والإعلام، كما قوى الأمن الداخليّ وتحديداً مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، الذين دائمًا ما أبدوا جهوداً جبّارة في قضايا مشابهة عدّة.
وتابعت: "عندما يستخدم طفلك الهاتف لمدّة من الوقت من دون مراقبة، كأنّك سمحت له بأن يخرج إلى مجتمع غريب وعالم خارجيّ لا نعرف عنه أيّ شيء". وشدّدت على "أهمية دور الأهل في رعاية وحماية أطفالهم من الاستغلال والعنف اللفظيّ، والانحدار الأخلاقيّ الذي سينعكس عاجلاً أم آجلاً على حياتهم".
كما أبدت رأيها بحجب تطبيق "تيك توك" بشكل كلّي معتبرة أنّه "ليس حلّاً حقيقيّاً، فبوجود التكنولوجيا يمكن استبداله ببرنامج آخر مشابه له تماماً، وربّما بتأثير أكبر".
ربّما لسنا مهيّئين لهذا التطوّر التكنولوجي السريع، ما يحدث أخطر ممّا نتصوّر، فَلْنتعاطَ مع الموضوع بجدّية أكثر، وَلْنحمِ أطفالنا من جياع الشهرة والمال.