النهار

كيف تحافظ على صحّتك العقليّة وأنت محاط بالأخبار السلبيّة؟
فرح نصور
المصدر: "النهار"
كيف تحافظ على صحّتك العقليّة وأنت محاط بالأخبار السلبيّة؟
تعبيرية.
A+   A-
في الأوقات العصيبة والأزمات، مهما حاول المرء ألا يتعرّض للأخبار السلبية، يجد نفسه دون أن يشعر، يشغّل تلفازه ويتصفّح جواله على مدار اليوم، لعلّه يرده خبر جديد. مع التدفق المستمر للأخبار السلبية، من السهل أن يشعر المرء بالقلق والتوتر والاكتئاب. لكن تُعد الصحة العقلية جانباً مهماً من رفاهته العامة، وعليه الاهتمام بها خصوصاً في مثل هذه الظروف.
 
عندما تتعرّض لأحداث تسبّب القلق أو عدم اليقين، فمن الطبيعي أن تشعر بالخوف أو القلق أو فقدان السيطرة على حياتك. قد تقلق على سلامة الغرباء أو الأحباء أو حتى نفسك، وإن كنت عشت تجربة الأحداث التي تجري في الأخبار، فقد يؤدي ذلك إلى ظهور الذكريات المؤلمة أو إثارة المشاعر.
 
 
الأب الدكتور إيلي رحمة - متخصّص في علم النفس العيادي، معالج نفسي وأستاذ محاضر في جامعة الروح القدس الكاسليك في قسم علوم النفس والعلوم الاجتماعية
 
لا ينبغي الانقطاع عن متابعة مستجدات الأحداث، شرط أن تكون بشكل غير متواصل ومن مصادر موثوقة وموضوعية. ولا ينبغي التركيز على الأخبار وملاحقتها دقيقة بدقيقة، فذلك يجعل الفرد مقصّراً بواجباته الحياتية الأخرى.
ويجب استعمال لغة العقل وعدم الانجرار في المشاعر. فالمشاعر التي يشعر بها الفرد في هذه الحالة هي مشاعر قديمة مدفونة، تحمل ذكريات أليمة مثل حروب سابقة، ولم يتخطّها حتى اليوم. وتقييم الأحداث الآنية والمستقبلية موضوعياً، يجعل الفرد في قلق طبيعي وليس مفرطاً. لذلك، فإنّ القلق الذي يشعر به هذا الفرد هو أضعاف الأفراد الذين عاشوا في دول لم تشهد مثل هذه الحروب.
ومع اشتداد حدة الأزمات أو الظروف المقلقة، تبقى المشاعر السلبية داخل الشخص ولا يعبّر عنها أحياناً، أمام مواقف غير واضحة بشأن مستقبله. لذا، فإنّ المشاعر السلبية ستكون قوية جداً ومن الضروري التعبير عنها وتفريغها لدى أشخاص قادرين على امتصاصها لا مفاقمتها. والشخص الذي يعيش في محيط حرب أو قلق أو عدم يقين، ويكون في بيئة حاضنة، يخفّ القلق لديه.
 
ومع تفاقم التوتر والقلق داخل الأسر نتيجة التعرّض لهذا الكمّ الكبير من الأخبار السلبية في ظل حدث ما، قد يقوم الأفراد بسلوكيات عدائية بسبب فقدانهم السيطرة على مشاعرهم الدفينة التي استفاقت ولم تداوَ، ويمكن أن يبدؤوا بالصراخ والانتقال إلى الضرب أو أكثر.
أمّا في ما يتعلق بالأطفال، فمن الضروري أن يحمي الأهالي أطفالهم من الأخبار السلبية عبر شرح الواقع بشكل يناسب أعمارهم، وأن يكونوا هم مصدر الأخبار لهم وما يحدث وليس الهواتف الذكية أو التلفاز. فتعرّض الأطفال لهذه المشاهد يولّد لديهم القلق فهم غير مجهزين لها. ومع انتشار الهواتف الذكية بأيدي الأطفال في جميع أعمارهم، لا بدّ للأهالي من أن يراقبوا هذه الهواتف وينظموا استخدامها، ويحاولوا تصويب البوصلة لدى أطفالهم عمّا يجري عندما يأتي الطفل بمعلومة من أحد أقرانه مثلاً، ومحاوله تهدئته وإظهار الدعم له لطمأنته.
 
 
التفاؤل ممكن برغم الأزمات
 
بحسب بعض علماء النفس، فإن تنمية التفاؤل يمكن أن تساعد في تعزيز دفاعات الدماغ ضد الأخبار السلبية، وفق ما خلُصت إليه دراسة بعنوان " Protecting the brain against bad news"، أُجريت عام 2022. ورأت أنّ الفرد مبرمَج تطوّرياً لفحص وتوقّع الخطر، ولهذا السبب فإن إبقاء أصابعه على الأخبار السلبية قد يخدعه في الشعور بمزيد من تلقّيها، ومشاعر الخوف والحزن والغضب التي تثيرها العناوين السلبية يمكن أن تجعل الناس عالقين في "نمط من المراقبة المتكررة"، ما يؤدي إلى تدهور الحالة المزاجية والمزيد من القلق، وهذا ما يؤثر على الصحة العقلية.
 
وهناك رابط بين استهلاك الأخبار السلبية وزيادة الضيق والقلق والاكتئاب، حتى عندما تكون الأخبار المعنية عادية نسبياً. والتعرّض للأخبار السلبية يمكن أن يجعل المخاوف الشخصية تبدو أسوأ وقد يسبّب "ردود فعل إجهاد حادة وبعض أعراض اضطراب ما بعد الصدمة التي يمكن أن تستمر لفترة طويلة".
 
في العادة، يقوم جزء من الدماغ بتصفية الأخبار السلبية مع كل معلومة جديدة، وهذا التحيّز المتفائل هو السبب وراء ميل الناس إلى افتراض أنهم سيعيشون لفترة أطول ويعانون من حوادث أقل من أقرانهم. وبحسب الدراسة المذكورة، التحيز المتفائل يمنح فوائد صحية، إذ يتمتع المتفائلون بصحة بدنية وعقلية أفضل، وهم أكثر مرونة، ويقيّمون المخاطر بدقة أقل من المتشائمين. كذلك، فإنّ المتفائلين والأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الثقة العامة وأولئك الذين لا يؤمنون بنظريات المؤامرة شعروا بخوف أقل من المتشائمين عند استهلاك المعلومات حول الوباء وكانوا أكثر ميلاً إلى اتباع تدابير الصحة العامة.
 
والاستعانة بعلم النفس الإيجابي، مثل تدوين الامتنان وتخيّل "أفضل مستقبل"، تزيد من التفاؤل، وتهدف إلى تدريب الدماغ على الاهتمام بالتجارب الإيجابية بحيث "تترك علامة أعمق على نفسيتنا وأجسادنا" بمرور الوقت.
 
 
كيف تحدّ من التعرّض للأخبار السلبية؟
- من المهم أن تظل على اطلاع لكن بشكل محدود.
- تجنّب مشاهدة الأخبار قبل الذهاب إلى السرير مباشرة، كيلا يؤثر ذلك على نومك وحالتك المزاجية.
- اختر مصدراً موثوقاً للأخبار.
- أوقف إشعارات الأخبار على هاتفك الذكيّ.
- تجنّب الجلسات الطويلة من المعلومات المزعجة.
- خذ فترات راحة من التدفق المستمر للأخبار وجد الأنشطة التي تجلب لك السعادة والسلام، مثل القراءة أو المشي أو ممارسة التأمل.
- مارس العناية الذاتية لتشعر بالسعادة وتقلّل من توترك، مثل ممارسة الرياضة والهوايات وقضاء الوقت مع أحبائك.
- اتبع نظاماً غذائياً صحياً ونوماً كافياً.
- ابق متفائلاً وسط السواد.
- لا تكبت مشاعرك السلبية وتواصل مع الآخرين أو مع معالج نفسي لبناء علاقات داعمة لك ولمساعدتك على معالجة مشاعرك وعواطفك.
- توثيق ما تشعر به بكتابة يومياتك أو وسائل إبداعية أخرى، مفيداً لك.
- ركز على ما يمكنك التحكم فيه وحاول إحداث تأثير إيجابي في حياتك وحياة من حولك.
 

اقرأ في النهار Premium