النهار

صراخ وأسئلة... كيف نُخفّف من "صدمة" جدار الصوت على أطفالنا؟
المصدر: "النهار"
صراخ وأسئلة... كيف نُخفّف من "صدمة" جدار الصوت على أطفالنا؟
مقاتلة إسرائيلية في أجواء الجنوب (أ ف ب).
A+   A-
تعمّدت إسرائيل أن ترفع منسوب القلق والهلع كجزء من حربها النفسيّة على لبنان، حيث تخترق طائراتها جدار الصوت على علوّ منخفض في سماء بيروت وكسروان وغيرها من المناطق اللبنانيّة. وإسرائيل ترغب في إثارة الخوف في نفوس اللبنانيين، من خلال خرق جدار الصوت على دفعتين في كلّ مرة، ومع قوّة الصوت يرتجف الأطفال سائلين من واقع لا يفهمونه.
 
اختلف المشهد في لبنان عمّا كان عليه قبل الثلاثاء الماضي، يوم استهداف القياديّ في "حزب الله" فؤاد شُكر في منزله الكائن في منطقة حارة حريك، الكلّ يترقّب وينتظر وسط تهديدات عن اتّساع رقعة الحرب وضراوتها.
 
في "فيديو" منشور على "إنستغرام"، تُشارك إحدى الأمهات حالة الخوف التي اعترت طفلتها وهي تبكي وتتحدّث عمّا سمعته، تقول: "كنّا نلعب في الخارج سعداء قبل أن نسمع هذا الصوت". وحدها الدموع تفضح مخاوفها وهواجسها، تصرخ باكيةً "أريد السفر". يحاول والدها تهدئتها قائلاً: "هذا ليس قصفاً، إنّه جدار الصوت. لا تخافي سأُخرجك من هنا".
 
هذه الطفلة ليست الوحيدة التي اختبرت الخوف والقلق، مئات الأطفال يعيشون حالة لا استقرار ولا أمان في الآونة الأخيرة، لاسيّما بعد خرق جدار الصوت على دفعتين وليومين متتاليين في لبنان.
 
كانت إسراء موجودة في منزلها برفقة ابنتيها عندما خرق الطيران الإسرائيليّ جدار الصوت منذ أيّام، كانت المرّة الأولى التي يُسمع فيها جدار الصوت بهذه القوّة، وكانت ملامح ابنتيها الشاحبة أكبر دليل على حالتهما النفسيّة. في حديثها لـ"النهار" تؤكّد إسراء أنّها "حاولت احتواء الوضع بطريقة هادئة وبحكمة حتّى لا تثير خوفهما، كان عليّ أن أحافظ على هدوء أعصابي حتّى لا يشعران بأيّ تهديد أو خطر".
 
حاولت إسراء أن تشرح لابنتيها معنى كلمتَي "جدار الصوت" حتّى ترسم لهما صورة واضحة من شأنها أن تخفّف الغموض والتساؤلات الكثيرة. ببساطة احتضنت خوفهما بإحاطتهما أوّلاً عاطفيّاً، ومن ثمّ بشرحها العلميّ لمعنى "جدار الصوت"، وكيفيّة التصرّف في لحظتها".
 
 
سعت إسراء الأمّ إلى التعامل مع هذه المستجدّات بما يتناسب مع عمر ابنتيها، فمبدؤها الأساسيّ إخبار الحقيقة مع الأخذ بعين الاعتبار قدرتهما على الاستيعاب. تريدهما كما تقول "أن يفهما ما يجري في حال بقيت إسرائيل مصرّة على استخدام هذا التكتيك، وأن يتصرّفا بطريقة صحيحة وبوعي. والأهمّ أن يبتعدا عن النوافذ وكلّ ما قد يُشكّل خطراً بسبب الصوت القويّ والاهتزاز".
 
سجّل نهار الثلاثاء 4 انفجارات كبيرة دوّت على مراحل متلاحقة ناجمة عن خرق الطيران الحربيّ الإسرائيليّ جدار الصوت على علوّ منخفض. دقائق معدودة فصلت بينها، ما أثار حالة خوف وارتباك من حرب "منتظرة"، حيث يعيش اللبنانيّون حالة ترقّب المستجداتِ العسكريّة المرشّحة إمّا لتوسيع الحرب أو لضربة محدودة وإنّما موجعة.
 
وللتذكير، يحدث جدار الصوت عندما تتحرّك الطائرة بسرعة أعلى من سرعة الصوت، يؤدّي ذلك إلى إحداث موجات صوتيّة تنفجر وتُصدر صوتاً شبيهاً بصوت الانفجار أو الرعد، والذي يكون عادة على دفعتين.
 
وعادة ما يترافق جدار الصوت مع تشكّل غيمة دائريّة تحيط بالطائرة، تتكوّن من الاحتكاك العنيف للطائرة السريعة مع جزيئات الهواء، مسبّباً ارتجاجات في المباني، وتحطيم زجاجها أحياناً، بالإضافة إلى التأثير النفسيّ على الأطفال، خاصّة من خلال نشر الخوف والرعب في نفوسهم.
فوفق "اليونيسيف" إنّ "الأطفال في العديد من بلدان الشرق الأوسط يواجهون واقعاً قاسياً اليوم أكثر من أيّ وقت مضى".
 
مقاتلة إسرائيليّة تُغير على بلدات في #جنوب لبنان (أ ف ب).
 
كيف نساعد أطفالنا على تخطّي حالة الخوف والقلق نتيجة جدار الصوت؟
 
تنصح الاختصاصيّة في علم النفس عند الأطفال والمراهقين في المركز الطبّيّ للجامعة الأميركيّة في بيروت لارا جلّول في حديثها لـ"النهار" أن يُصارح الأهل أطفالهم بالحقيقة وفق أعمارهم من دون أن يخلقوا أعذاراً أو أخباراً غير دقيقة لتفادي حقيقة الصوت الذي سمعوه. من المهمّ جدّاً أن نشرح لهم بطريقة مبسّطة وعلميّة، من خلال استخدام الكلمات الصحيحة، أنّ الصوت ناتج عن اختراق طائرة بسرعة تتخطّى سرعة الصوت، ما يتسبّب بهذا الصوت القويّ والارتجاج أحياناً".
 
إنّ بناء الثقة مع أولادنا وعدم إخفاء الحقيقة هما بمثابة حجرَي أساس لاحتضان الطفل وحثّه على اللجوء إلينا عندما يكون في حالة ضياع أو خوف أو قلق. من المهمّ أن نكون مصدر ثقة لأطفالنا. أمّا في حال تفادينا الحديث عمّا سمعه أو لم نُجب على أسئلته، سيشعر الولد بضياع أكبر ويعيش الخوف بمفرده. إنّ الكذب على الطفل يدفعه إلى تجنّب اللجوء إلى والديه مرّة أخرى، فيكون أمام خيارَين: إمّا التعامل مع خوفه وقلقه بمفرده، أو البحث في المكان الخطأ عن الأجوبة المرجوّة. وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة أسوأ من اللجوء إلى الأهل للإفصاح عمّا في داخله واحتوائه عاطفيّاً ومعنويّاً".
 
ونعرف جيّداً أنّ الأوضاع الحاليّة تزيد الضغوط على الأهل، لذلك تتوجّه جلّول إليهم قائلة: "يجب ألّا تقسوا على أنفسكم وأن تحترموا حدود قدراتكم على التحمّل. تجنّبوا الاستماع إلى الأخبار أمام أطفالكم، لتجنيبهم ما يمكن أن يزيد من قلقهم وهواجسهم".
 
وعن كيفيّة التعامل مع مشاعر الخوف؟
 
* السماح للطفل بالتعبير عن كلّ ما يشعر به سواء بالبكاء أو بالكلام أو حتّى بالرسم.
 
* من المهمّ أن نُطمئن الطفل بأنّه في أمان وأنّنا إلى جانبه ولن نتركه.
 
* أن نسأل الطفل في حال تكرّر هذا الصوت مرّة أخرى، عمّا سيفعل، لأنّ ذلك قد يساعده على الخروج بحلول، ويساعدنا في فهم مشاعره بطريقة أفضل. وفي حال لم يكن قادراً على إعطاء أجوبة يمكننا تقديم بعض النصائح والإجراءات التي يمكن تطبيقها.
 
* في حال عانى الطفل من بعض العوارض لأكثر من أسبوعين كقلّة الشهيّة أو زيادة في الشهيّة، أو أحسّ بالأرق أو بالاضطرابات أثناء النوم، أو بالعزلة وعدم الرّغبة باللعب، أو الرغبة في البقاء في المنزل طوال الوقت... يجب عندها استشارة اختصاصيّ في علم النفس لمساعدة الطفل.

اقرأ في النهار Premium