تختلف أنواع السرطانات في حدّتها ونسبة انتشارها ونسبة الشفاء منها، فلكلّ نوع من هذا المرض القاتل خصائصه، وعوارضه، وأسبابه، وعلاجاته. نسمع كثيراً عن أكثر أنواع السرطانات انتشاراً والعلاجات الثورية التي أحدثت فرقاً، وأعطت أملاً في الشفاء، ولكن بعضها الآخر لم يُسلّط الضوء عليها كفاية، لكونها نادرةً، وحالات الإصابة بها قليلة.
في شهر التوعية بسرطان "الساركوما"، نسلّط الضوء على هذا النوع من الأورام، ونتكلّم على كيفيّة تشخيصه، وأهمّ عوارضه وعلاجاته. وفي هذا الصدد، يُميز البروفيسور في طبّ الدم والأورام في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور حازم عاصي، بين "الساركوما"، أو ما يُعرف بسرطان العظام، أو سرطان الأنسجة الرخوة، وبين أنواع أخرى من السرطانات كسرطان الثدي أو الرئة...التي تُصيب منطقة محدّدة، ثمّ ينتشر منها المرض إلى العظم. ويكون هذا النوع عبارة عن انتشار السرطان في العظم بعد أن كان في الثدي أو الرئة...، وهو يختلف عن سرطان العظم الأساسيّ.
وعليه، فسرطان العظام أو سرطان الأنسجة الرخوة، الذي يُصيب العضل في أيّ مكان من الجسم (يُمكن لعضلة القلب أن تُصاب بالسرطان)، يُعتبر من الأورام النادرة التي لا تتخطّى الـ100 حالة عند الكبار سنوياً في لبنان، وأرقامها ضيئلة، وعلاجها الأساسيّ يرتكز على الجراحة في المراحل الأولى من المرض.
يمكن أن تحدث الإصابة بساركوما الأنسجة الرّخوة في أيّ مكان من جسدك، على أن أكثر الأنواع شيوعًا يقع في الذراعين والساقين، وفي البطن. وتعدّ الجراحة أكثر طرق العلاج شيوعًا، وفقاً لحجم الورم، ولموقعه في الجسم، وبالنظر إلى مدى خطورته ودرجته.
يُحذّر عاصي من أيّ آلام غير اعتيادية قد تكون بمثابة عارض تحذيريّ لما هو أبعد من مجرّد عارض؛ لذلك – برأيه - أي "آلام في العظم يجب التنبّه لها وعدم إهمالها، وغالباً ما تُصيب فئة الشباب. فكلّ شخص يعاني من أوجاع غير تقليديّة ومستمرّة، أو الذي عانى من آلام في العظم واستشار طبيباً وتلقّى علاجاً ولم يرتح، بالإضافة إلى الذي يشعر بآلام توقظه ليلاً، ننصحه بمراجعة اختصاصيّ، وبإجراء صورة شعاعيّة للكشف ومعرفة سبب هذه الآلام ومدى احتمال إصابته بالسّرطان.
أما بالنسبة إلى سرطان الأنسجة الرخوة، فقد تكون العوارض ظاهرة أكثر ومرئيّة مثل انتفاخ في العضل أو درنة في البطن أو في الكتف أو الساق. وغالباً ما يظنّ الشّخص أنّها كناية عن "كيس دهني"؛ لذلك ينبغي للشخص الذي يجد أيّ شيء غير اعتياديّ في جسمه أن يُجري صورة، وأن يُراجع الطبيب من دون إهمال.
ويؤكّد عاصي أنّ "العلاج الأساسيّ لهذه الأورام النادرة تتمثّل بالعمل الجراحيّ، الذي تتخطّى نسبة نجاحه الـ70% في المراحل الأولى من المرض. ووفق ما بات معروفاً، كلّما كان الكشف مبكراً رفعنا من فرصة الشفاء التام. ويُشكّل العلاج الشعاعيّ، بالإضافة إلى العلاج الكيميائيّ، الخيار الأبرز في المراحل المتقدّمة، ويُصبح العلاج الجراحيّ في المرتبة الثانية نتيجة تفشّي المرض في الجسم".
أما على صعيد الأدوية، فيشير عاصي إلى أننا "لم نشهد تطوّراً في سرطان "الساركوما" في السنوات الماضية الأخيرة بعكس حال بعض السرطانات الأخرى، التي شهدت ثورة حقيقيّة في العلاجات الدوائيّة والمناعيّة مثل سرطان الرئة والثدي والدم. لذلك، ما زال الاعتماد بشكل أساسي في هذا النوع من السرطانات على العمل الجراحي والعلاج الكيميائيّ، خصوصاً في سرطان العظم. ومن الضروري أن يتعالج الشخص في مراكز متخصّصة بهذه الأورام، لأن نسبة الشفاء تصبح قليلة في حال خضع الشخص إلى بروتوكول علاجيّ خاطىء أو غير مناسب".
ونتيجة ذلك، يشدّد الطبيب الاختصاصي في طب الدم والأورام، على أن "هذا السرطان نادر جداً، والتشخيص المبكر هو الوسيلة الرئيسيّة للقضاء عليه، والعمل الجراحيّ أساسي لزيادة فرص الشفاء منه، بشرط أن يكون في مراحله الأولى. والأهمّ عدم إهمال أيّ انتفاخ أو كتلة متورّمة في الجسم، أو آلام غير طبيعيّة في العظم، والمسارعة إلى مراجعة الطبيب وإجراء الفحوص اللازمة لتحديد السبب. وبالرّغم من التطوّر الكبير الذي شهدته العلاجات والتشخيص المبكر للأورام السرطانية، فإنّه لا يوجد بعدُ أيُّ فحصٍ مبكر لكشف هذا الورم، وهذا ما يفرض التنبّه والتعامل جدّياً مع أيّ شيء نشعر به أو يظهر على جسدنا".