في اللغة، تربَّص بفلانٍ تَرَصَّده وكمن له للإيقاعِ به. ربما ليس في العربية أبلغ من هذا الفعل لوصف، بكلمة واحدة، قصة إسرائيل ومحور المقاومة. فبينما كانت بيئات المحور منتشية ببلاغةٍ تشمت بإسرائيلي أرهقه الوقوف على "رجل ونص"، كان هذا الإسرائيلي نفسه يتربّص بالمحور كله، فيترصّده فيكمن له فيعاجله فيرميه...
لست من بيئة هذا المحور، لكنني صدقت كما صدقت بيئة المحور أن الساعة آتية لا ريب فيها، حين ينزلون الجليل ويسيطرون على قراه وبلداته ومستوطناته. حتى سكّان الجليل صدقوا هذه الحدوثة، ووافقوا أن دولتهم إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، فتبيّن في أقل من شهر أن المحور كله، بقضّه وقضيضه، نمر من ورق.
منذ طوفان الأقصى، أجمع المنظرون على أن إيران لن تزجّ بدرّة تاجها، "حزب الله"، في هذه المعركة، لأنها تدّخره للمعركة الكبرى، فانهار المحور "في انتظار المعركة الكبرى". وحين وقعت الفأس الإسرائيلية في الرأس اللبنانية، واغتيل السيد حسن نصر الله، كان هذا الاغتيال الضربة القاضية التي قصمت ظهر المحور كله، بصرف النظر عن نظريات البازار الإيراني – الأميركي، بيعاً وشراءً.
أما وقد صار واقعاً اليوم أن "حزب الله" في أزمة سياسية فعلية، بعد تربّص إسرائيلي كبّده خسائر باهظة، وبعدما انفك عنه أقربهم إليه، لمَ لا يقلب أولي الأمر فيه ساعة التخلي هذه إلى لحظة مراجعة فعلية، ورجعة فعلية إلى البلد، إلى مبدأ تقديم الولاء للبنان على أي ولاء آخر؟
بعيداً عن أنّ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ربما الوقت ملائم اليوم ليعود "حزب الله" إلى اعتناق مصطلح الشيعة العرب، الذي ضاع بين مصطلحات كثيرة، وهو الشعار الذي حمله "سيّاد" كثيرون، رفضوا مرجعية قُمّ وقالوا لنا مرجعيةٌ في جبل عامل، فغُيّبوا قسراً كما الإمام السيد موسى الصدر، أو تعرضوا للترهيب كالعلامة الراحل السيد هاني فحص، والعلامة السيّد علي الأمين، الذين توجّسوا جميعاً شراً من أن يخرج شيعة لبنان على جغرافيا بلدهم، فيتخذون من هويتهم "الشيعية" سياسةً، فيأتي المذهب الذي عسكرته إيران عندهم قبل التعايش الأهلي مع الجماعات المجاورة.
ليست الخطوة المرجوة اليوم من أولي الأمر في الحزب سهلة، لكنها كفيلة بإخراج ثلاثة عواصم عربية - عدّها الإيرانيون سابقاً ساقطة في أيديهم – من الخطر الإسرائيلي، بعد دمار جنوب لبنان وبقاعه وضاحية عاصمته، فتنجو بذلك من الفخ الإيراني الذي كان ديدنه تأكيد هوية شيعية خاصة في الوطن العربي على حساب هوية إسلامية أو وطنية.
إنه قرار، إذا اتخذه "حزب الله" اليوم، خلّص الشيعة ولبنان من هذه الحرب، ومن غيرها أيضاً، وعاد إلى كنف بلد يحميه نأيُه بنفسه عن أحلاف ومحاور وأمم وأمميات.