بعد جولتين من الضربات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في 14 نيسان (أبريل) و 1 تشرين الأول (أكتوبر) على التوالي، أعلنت السلطات الإسرائيلية، لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت أن الرد الإسرائيلي سيكون "حتمياً وقاتلاً ومفاجئاً ودقيقاً". وتحدث نتنياهو خلال اتصاله الهاتفي الأخير مع الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن هذا الرد، وحصل تالياً على تصويت من مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بهذا الخصوص.
وفي ضوء هذه التطورات، يثير مراقبون دوليون تساؤلات مهمة: كيف سيكون الرد الإسرائيلي؟ وما تداعياته على المنطقة والعالم؟ وكيف سيكون الرد الإيراني على الرد الإسرائيلي؟ وهل سيلقي بظلاله على أسواق الطاقة في العالم؟ وما الأثر الذي يتركه على الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، ثمة ثلاثة سيناريوات يمكن أن ترسم لنا صورة أكثر وضوحاً عن التطورات المستقبلية:
1- إنّ أكثر السيناريوات ترجيحاً في طهران، هو أن تهاجم إسرائيل مواقع محددة عسكرية وصاروخية واستخبارية إيرانية من دون إيقاع خسائر بشرية.
إنّ أميركا ومع الأخذ في الاعتبار مصالحها ومصالح حلفائها، لمحت إلى أنها لن تسمح لإسرائيل بضرب الأحياء السكنية والمواقع النووية ومنشآت النفط.
وإن نفذت إسرائيل هجوماً بهذا المستوى، فإن الديموقراطيين الذين يحكمون أميركا والقلقين قبل كل شيء من نتيجة الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سيدخلون على الخط حتماً ومن دون تردد للحفاظ على توازن القوى والحؤول دون تصاعد حدة الصراع، وعلى الأقل ترحيل الاشتباكات العسكرية إلى ما بعد الانتخابات.
ويبدو أن هذا السيناريو محبذ لطهران وتل أبيب، ولن تكون له تداعيات ونتائج مدمرة على الأمن وأسواق المال والطاقة، على أن يتم في ضوئه إقرار وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، أو تقليص حدة الهجمات الإسرائيلية على أقل تقدير. غير أن التاريخ أظهر لنا أن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن وأن التطورات لا تسير قدماً في ظل التفاؤل. لذلك يمكن تصور سيناريوات أخرى.
2- السيناريو الثاني يتمثل في خسائر بشرية عن الهجوم الإسرائيلي على إيران.
نعرف أن التهديد وإثارة الرعب يشكلان جزءاً من الحرب النفسية الإسرائيلية، غير أن استخدام وزير الدفاع الإسرائيلي تعبير "القاتل" لوصف الرد، يزيد من احتمالات تطبيق هذا السيناريو. والقصد من تعبير "المفاجئ" يمكن أن يتمثل في تنفيذ إسرائيل بالتزامن عمليات تخريبية سيبرانية داخل إيران. إن الهجمات العنيفة على "المقاومة" في لبنان واليمن وغزة، وصرف انتباه صناع القرار في إيران إلى أزمات عدة متزامنة، يمكن أن تشكّل الحلقة التالية لهذا السيناريو.
وفي حالة تنفيذ هذا السيناريو، يتوقع أن يكون الرد الإيراني القوي حتمياً، وستستمر ردود الفعل المتتالية، وتتجه الاشتباكات نحو حرب ثنائية من العيار الثقيل، إذ إن وقفها سيكون بحاجة إلى تدخل مجلس الأمن الدولي والقوى العالمية الكبرى.
أسوأ السيناريوات وأخطرها والذي يبدو أن الإسرائيليين يريدون وضعه موضع التطبيق يتمثل في توسيع نطاق الصراع مع ايران، يتم بشكل يدفع أميركا إلى الدخول على خط الاشتباكات والتصعيد.
وتعتقد طهران أن إسرائيل لا تقوى على إلحاق هزيمة بها في مواجهة عسكرية مباشرة، وأن خروجها من الأزمة الحالية ممكن فقط في إطار تشكيل تحالف.
وترغب تل أبيب في القيام بإجراءات تؤدي إلى دخول دول الخليج في هذا التصعيد العسكري، وأن تتدخل أميركا وحلفاؤها الغربيون لمصلحة إسرائيل ضد إيران، ويتجه مسار التطورات بالتالي نحو تغيير نظام الحكم في طهران، على غرار ما حدث في العراق عام 2003. ورغم أن هذا السيناريو بعيد المنال، لكنه يمثل الأمنية الرئيسية لإسرائيل التي لا تتوانى عن البوح بها في العلن حتى.
وثمة ثلاث قضايا مهمة يمكن أن تسهم في تعزيز السيناريو الأخير أو تقويضه:
1- إنّ إسرائيل لن تقدم على عمل ما من دون التنسيق مع أميركا، لذلك فإن أي هجوم على إيران هو بمنزلة إجراء مشترك تنفذه واشنطن وتل أبيب معاً ضد طهران، علما أن السلطات الإيرانية تعلم ذلك علم اليقين.
2- أميركا حريصة على رد محدود متبادل بين إسرائيل وإيران، لكي لا يؤثر سلباً على مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي قد تكون لمصلحة المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس. إن الديموقراطيين لا يرغبون في أن تتسبب تطورات الشرق الأوسط في تسليمهم البيت الأبيض إلى دونالد ترامب مرة أخرى.
3- نتنياهو سيكون الخاسر الأكبر في التطورات المستقبلية، لأنه أربك النظام والأمن في المنطقة والعالم من خلال القتل والحرب، فضلاً عن أنّ ممارساته المتسمة بالعنف والفوضى لا تنبع من القوة بل تأتي من منطلق الخيبة والإحباط والضعف.