وحدة الرضوان.
المهندس هادي كساب اسماعيل
منذ دخوله معركة الإسناد مع غزة، لم تعد الحرب مجرد مواجهة تقليدية بين "حزب الله" وإسرائيل، بل تحولت إلى حرب تهدف إلى القضاء على تنظيم "حزب الله" بالكامل. ويظهر ذلك جلياً بعدما تمكن جهاز الموساد من اختراق الجسد الأمني للحزب واغتيال العديد من القادة في الصفوف العليا، حيث تشير تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن عمليات اغتيال قيادات "حزب الله" قد زادت بنسبة 40% منذ بداية ما يُسمّى بمعركة "وحدة الساحات".
يبرز بشكل واضح الفارق الكبير في الترسانة العسكرية بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، حيث تستند إسرائيل في حربها إلى تكنولوجيا عسكرية متطورة تشمل الرصد الجوي والفضائي، ونظام الدفاع الجوي المعروف بـ"القبة الحديدية" الذي يُعتبر أداة فعّالة للتصدّي لمعظم الصواريخ التي يطلقها "حزب الله" من الجنوب اللبناني باتجاه المستوطنات الإسرائيلية.
استطاع الجيش الإسرائيلي، من خلال استخدام تكنولوجيا متقدمة، الوصول إلى معلومات حساسة يعتمد عليها كوسيلة رئيسة في حربه ضدّ "حزب الله". وتُعتبر الهجمات التي تمّ تنفيذها باستخدام تفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكي مثالاً على هذه القدرة، حيث مكّنتهم من توجيه ضربات دقيقة ضدّ قيادات الحزب ومواقعه الأمنية.
في خضم المعارك المحتدمة بين الطرفين، يصرّ "حزب الله" على مواصلة معركته رغم الخسائر الكبرى التي تكبّدها في جهازه التنظيمي، إلّا أنه استطاع توجيه ضربات مؤلمة إلى داخل العمق الإسرائيلي، والتي تُعتبر سابقة من نوعها، يعكس ذلك تقدماً ملحوظاً في قدرات "حزب الله" القتالية، حيث يستخدم أساليب جديدة في الهجوم مثل المسيّرات الحربية، بالإضافة إلى أساليب دفاعية متقدمة ضدّ أي توغل بري نحو الداخل اللبناني، ما يدل إلى تطور استراتيجيته العسكرية في الهجوم والدفاع.
تتزامن الحرب الحالية على لبنان مع جهود دولية وإقليمية مركّزة، تهدف إلى تقليص دور النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث يُعتبر "حزب الله" أحد أبرز أدوات إيران في تنفيذ أجندتها الإقليمية، وتأتي هذه الحرب في سياق الصراع المستمر بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي الإيراني.
هذا التوتر المستمر أدّى إلى تصاعد المواجهات غير المباشرة بين الطرفين عبر وكلاء في المنطقة، مثل "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، ما جعل الحرب الحالية جزءاً من هذا الصراع الأوسع الذي يشمل تنافساً على النفوذ الإقليمي وتحالفات معقّدة بين القوى الإقليمية والدولية.
في المقابل، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها مع إسرائيل وبعض الدول العربية، في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق توازن قوى جديد في الشرق الأوسط، يعتمد على احتواء النفوذ الإيراني، حيث تعتمد واشنطن على القوة العسكرية الإسرائيلية كأداة رئيسية من أجل شن حرب إستنزافية ضدّ "حزب الله"، حيث تسعى إلى إضعافه تدريجياً عبر استنزاف موارده العسكرية والبشرية.
تتزايد تحليلات الخبراء السياسيين والعسكريين حول مسار الحرب والتوقعات بنتائجها المستقبلية، حيث بدأت تظهر آراء متباينة بشأن مستقبل الحزب داخلياً وإقليمياً. فمن جهة، يرى البعض أن "حزب الله" يمتلك القدرة على استعادة قوته وفرض نفسه من جديد على الساحة، مستندين إلى خبراته السابقة في التعامل مع الأزمات والحروب. فقد نجح الحزب في تجاوز تحدّيات مماثلة في الماضي، حيث عزز قوته العسكرية وزاد من شعبيته رغم الضغوط الإقليمية والدولية. بفضل تحالفاته مع قوى إقليمية مثل إيران، إلى جانب خبرته في الحروب غير التقليدية، استطاع التكيّف مع الظروف الماضية المتغيرة واستغلال الأزمات لإعادة ترتيب صفوفه والبقاء فاعلًا في المشهد السياسي والعسكري.
يرى فريق آخر ، أن هذه الحرب قد تكون بداية لنهاية "حزب الله" كقوة عسكرية، ما قد يدفعه للتحول إلى حزب سياسي بحت. يعتمد هذا الرأي على عوامل عدة، منها الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة التي تستهدف الحدّ من نفوذ الحزب العسكري. إضافة إلى ذلك، تراجع الدعم الشعبي والاقتصادي نتيجة للأزمات المتلاحقة في لبنان، قد يجعل من الصعب على الحزب الحفاظ على بنيته العسكرية الحالية. في هذا السياق، قد يصبح "حزب الله" مضطراً لإعادة النظر في استراتيجيته والتحول نحو العمل السياسي لتجنّب المزيد من العزلة الداخلية والخارجية.
في ضوء هذه التحدّيات الداخلية والخارجية التي يواجهها "الحزب"، يصبح مصيره المستقبلي مرهوناً بقدرته على التكيّف مع الواقع المتغير. فهذه الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي جزء من صراع أوسع على النفوذ الإقليمي والسيطرة على مفاصل القرار السياسي والأمني في الشرق الأوسط .
في حال خرج "حزب الله" من هذه المعركة منتصراً أو حتى صامداً في وجه الهجوم الإسرائيلي المدعوم دولياً، فقد يشكّل ذلك دفعة جديدة له، تعزز من مكانته كأحد أهم اللاعبين على الساحة اللبنانية والإقليمية. ستتمدد قدراته وتحالفاته، ويثبت مرّة أخرى دوره كذراع قوية لإيران في المنطقة، ما قد يمنحه ولادة جديدة في مشهد سياسي أكثر تعقيداً وصراعاً.
الإجابة عن هذا السؤال قد لا تكون واضحة اليوم، لكن ما هو مؤكّد أن نتائج حرب الإسناد ستعيد رسم خارطة النفوذ الإيراني والأميركي في المنطقة، وستمهّد إما لولادة جديدة للحزب أو لطي صفحة طويلة من تاريخه.