الضربة الجوية الاسرائيلية لايران هل تبقى من دون رد؟
بعد انحسار موجة الصخب الأولية الناتجة من الهجوم الاسرائيلي المحدود على ايران، يتحدث بعض المسؤولين الايرانيين منذ بضعة أيام عن حتمية الرد الايراني على اسرائيل، وقد أعلن كل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ووزير الخارجية والقائد العام للحرس الثوري ووزير الداخلية، أن الرد الايراني على اسرائيل بات قطعياً. وهؤلاء المسؤولون، وفضلا عن مناصبهم الرسمية في الجمهورية الاسلامية، هم أيضاً أعضاء في المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، وهو المؤسسة التي أوكل إليها قائد الجمهورية الاسلامية مهمة اتخاذ القرار بشأن أسلوب الرد على اسرائيل وموعده. وعليه، يبدو أن هذا المجلس، قد اتخذ قراره في ما يخص الرد العسكري على اسرائيل للمرة الثالثة، لكنه لم يفصح عن موعده وطريقة تنفيذه.
وعلى رغم وجود إجماع وتضامن وطني في ايران حول الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وضرورة الصمود بوجه العدوان الخارجي، لا اتفاق في الرأي بشأن التراشق المكوكي والصراع العسكري مع اسرائيل. وهذه الرؤية لا تقتصر على المجتمع الايراني والتي أشرت إليها في مقال سابق لي في "النهار" فحسب، بل ينسحب الخلاف في الرأي على مستوى صناع القرار في البلاد أيضا.
إن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الايرانية الحرة بمقدار 100 ألف ريال إيراني في أقل من شهر واحد (من 600 ألف ريال إلى 700 ألف ريال) والذي يؤثر بشكل لا يمكن إنكاره على أسعار كل السلع والخدمات، هو بحد ذاته مؤشر الى اتضاح التداعيات والتبعات المدمرة لأي تصعيد بين ايران واسرائيل. وأبعد من ذلك، الصراع مع أميركا التي ترى نفسها دائماً ملزمة بالدفاع عن اسرائيل. إن طبقة صنع القرار في المستوىات الوسطى للجمهورية الاسلامية، تؤمن بانه يجب الاحتفاظ بالتوجه الدفاعي في مواجهة أي عدوان خارجي، إضافة إلى نبذ التوجهات الهجومية في السياسات الخارجية والدفاعية والأمنية، لأن الشرطين الضروريين لاعتماد السياسة الهجومية، لا يتوافران في ايران.
الشرط الأول، اقتصاد مزدهر وقوي والثاني الجاهزية النفسية للمجتمع وضرورة دعمه الحاسم لسياسات نظام الحكم.
وفي ما يخص الشرط الأول، تفيد الإحصاءات والأرقام بأن ايران تعاني من عجز في الموازنة يصل إلى 100 مليار دولار من أجل تنفيذ المشاريع الإنمائية للبلاد، وأن خوضها صراعاً عسكرياً من شأنه أن يفاقم هذه الأزمة المالية، ومن ناحية أخرى، فإن سياسات السنوات الأخيرة، خيّبت آمال قطاع معتبر من الشعب من سياسات الحكم، وأثارت قلقه بحيث أنه قد لا يساند قرارات المستوى السياسي في الأوقات الحساسة.
لذلك، فان مستويات من نظام الحكم في إيران تؤمن، بناء على هذين السببين، بأن الوقت الحالي ليس الوقت الملائم للدخول في معركة والاشتباك المستمر مع اسرائيل وأميركا والغرب بشكل عام، بل أن الجمهورية الاسلامية، يجب أن تتحلى بضبط النفس من أجل تحقيق هدفها النهائي المتمثل في إقرار وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، لا تأديب اسرائيل ومعاقبتها. ولعل الصمت ذا المغزى الذي يلوذ به الرؤساء السابقون لايران وهم محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني ومحمد خاتمي والكثير من السياسيين الايرانيين الآخرين على مدى الأسابيع الأخيرة، يمكن اعتباره توكيداً لهذا الادعاء. ولا بد من القول إن هذه الرؤية تلقى هجوماً ونقداً، وحتى تهديداً في وسائل الإعلام من جانب المشاكسين والراديكاليين السياسيين، ويتم نعت حماة هذه الرؤية بانهم منبهرون بالغرب وجبناء وليبراليون، لكن الحقيقة هي أن الطابع البراغماتي المبني على المصالح القومية يطغى في هذه الرؤية على الحماسة الايديولوجية المتسمة بالمغامرات. ويفضل هؤلاء المصالح الطويلة الأمد لايران على الهياج السياسي العابر، ولا يريدون أن تخسر الجمهورية الاسلامية، ما لديها من قوة ومصداقية حاليتين في المواجهة مع أميركا واسرائيل.
وما يمكن التنبؤ به هو أنه على رغم أن التوجه الأخير غير مدرج على جدول أعمال صناع القرار في الجمهورية الاسلامية كخيار نهائي لمواجهة اسرائيل، وفي الوقت ذاته، الرد الايراني على اسرائيل، لا يمكن تجنبه، لكن هذا التوجه سيترك بلا ريب أثره على القرار النهائي لطهران، ويخفض من حدته وسرعته. التوجه الذي يبدو أنه سيساهم في إضعاف اسرائيل في مجال استقطاب الداعمين لها ضد ايران.