هذا واقع عالمي مختل، ربما سنحتاج إلى علم النفس أكثر من علم السياسة لفهم تعقيداته.
نرى مسرحاً سياسياً درامياً صاخباً في عموم العواصم، وفيلماً عجائبياً في واشنطن، وهذه حربٌ عالمية لا يقرّ العالم بحدوثها رغم أنه يكتوي بنارها. وكثيراً ما نرى معظم الأنظمة والشعوب المقهورة تقف على الجانب الخطأ من المعادلة، هل نحن أمام "متلازمة ستوكهولم"؟ تلك النظرية الشهيرة التي جعلتها السينما أكثر شهرة.
تلكم ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوّه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع من خطفه، لكنها الآن ليست حالة فردية على ما يبدو، بل هي على مستوى شعوب أو أنظمة!
في متلازمة ستوكهولم تلك التي اشتهرت في العام 1973 ظهرت الرهينة أو الأسيرة في حالة تعاطف وانسجام ومشاعر إيجابية تجاه الخاطف أو الآسر، تصل لدرجة الدفاع عنه والتضامن معه. هذه المشاعر تُعتبر بشكل عام غَيْرَ منطقية ولا عقلانية في ضوء الخطر والمجازفة اللتين تتحملهما الضحية، إذ إن الضحية تفهم بشكل خاطئ عدم الإساءة من قبل المعتدي بل وتراه قدوة وصاحب إحسان؟!
السؤال المُلح، كيف انزلقت الضحية لترى المعتدي بعين إيجابية، بل وتدافع عنه؟
في حالة الشعوب، ستجد مجاميع مضطهدة تتبنى رؤية ونظرية عنصرية تدعو لاحتقارها بل وقتلها، ومع ذلك لا تقاومها بل تناصرها، وثقافة القطيع قضية تحتاج إلى استمرارية بحث وتذكير، لخطورة تدميرها مستقبل البشرية وليس فقط تدمير قطيع محدود من البشر في دول فقيرة، بل الأمر أكبر من ذلك، فالعدوى منتشرة ليست في نقل الأمراض ولكن والأفكار المريضة أيضاً.
ربما علينا أن نتذكر قصة أخرى ما دام بدأنا الأمر مع الحكايات، أتذكر هنا واحدة من القصص المعروفة في ترويض أصعب الحيوانات وأكثرها ضخامة، إنها حكاية ترويض الفيلة، ومع ذلك يبقى الإنسان الأكثر أذىً من أي حيوان في عالم مضطرب. والبشر وحدهم الذين يُؤْذُونَ كل الكوكب وليس فقط يُؤْذُونَ بعضهم.
والقصة حكاية متداولة أعيدها ليس للعبرة أبداً، فالإنسان كائنٌ لا يعتبر معظم الوقت، ولكن إعادتها فقط لكونها معلومة جديرة بالمطالعة. ولا ضرر من إعادة التذكير بها وتقول الحكاية أنه "عندما يقوم الصيادون باصطياد فيلٍ حي لترويضه يستعملون حيلة للتمكن منه، فالحيوان الضخم صعب المراس أيضاً، فيحفرون في طريق سيره حفرة عميقة بحجمه ويغطونها، وعندما يقع فيها لا يستطيع الخروج، كما أنهم لا يسعون لإخراجه لكي لا يبطش بهم، فيلجأون إلى الحيلة التالية:
ينقسم الصيادون إلى قسمين: قسم بلباس أحمر (مثلاً) وآخر بلون أصفر مثلاً (اختيار الألوان هنا لا علاقة لها بالأندية ولا بالأنظمة) فيأتي الصيادون الحمر ويضربون الفيل بالعصي ويعذبونه وهو غاضب لا يستطيع الحراك. ثم يأتي الصيادون ذوو اللون الأصفر، فيطردون أصحاب اللون الأحمر، ويربتون ويمسحون على الفيل ويطعمونه ويسقونه، ولكن لا يخرجونه ويذهبون.
وتتكرر العملية... وفي كل مرة يزيد الصياد الشريك الشرير الأحمر من مدة الضرب والعذاب... ويأتي الصياد الشريك (الطيب) ليطرد الشرير ويطعم الفيل ويمضي، حتى يشعر الفيل بمودة كبيرة مع الصياد الشريك (الطيب)، وينتظره في كل يوم ليخلصه من الصياد الشريك (الشرير). وفي يوم من الأيام يقوم الصياد الشريك ( الطيب) بمساعدة الفيل الضخم، ويخرجه من الحفرة، والفيل بكامل الخضوع والإذعان والود مع هذا الصياد الشريك الطيب، فيمضي معه. ولا يخطر في بال الفيل أن هذا (الطيب) بما أنه يستطيع إخراجه، فلماذا تركه كل هذا الوقت يتعرض لذلك التعذيب؟ ولماذا لم ينقذه من أول يوم ويخرجه؟ ولماذا كان يكتفي بطرد الأشرار وحسب؟ كل هذه الأسئلة غابت عن بال الفيل الضخم.
تلك حكاية متداولة، عن حالة الترويض التي تتم لكثير من المجتمعات البشرية، أما الفيلة فقد وجدوا من يدافع عنهم الآن، ولكن في الواقع العالمي المختل يمكن إسقاطها على أكثر من مجموعة بشرية جرى ترويضها، يأتي من يتسلط على الناس ويحرمهم قوتهم سنوات ويصادر ممتلكاتهم وحرياتهم، ثم يرمي لهم بفتات مما هو حقهم في الأساس، فيهللون له فرحاً وتمجيداً. هي مجاميع جرى ترويضها لتتكيف مع القهر، ولا تزال تنقاد لمن يصنع لها الفخاخ، ولا تنفك تكيل المديح للصياد طيب القلب المحب للإنسانية.
سفير اليمن في المغرب*