زيا وليد
في أعقاب الهزيمة العربية المحورية في العام 1967، والتي اصطُلح عليها "النكسة"، سيدلي وزير الخارجية الأميركي في عهد رونالد ريغان، ألكسندر هيغ، أحد المتحمسين للحلف العسكري مع إسرائيل، بكلمات تغدو اختصاراً بليغاً لنظرية في تحليل العلاقات الأميركية مع دولة الاحتلال. سيقول الوزير إن إسرائيل أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم دون أن تحمل جندياً أميركياً. ويقول إن الحاملة هذه لا يمكن إغراقها.
لقد كانت بحق، حاملة طائرات مثيرة لإعجاب الأميركيين خصوصاً في تلك الحرب، عندما تمكنت من استعراض قدراتها الجوية مثل إلقاء 100 قنبلة على قاعدة عسكرية مصرية واحدة، كما يفاخر أحد المؤرخين الإسرائيليين. وكان من الصعب تخيل "إغراقها" آنذاك، عندما تمكنت من مضاعفة مساحتها خلال 6 أيام وهي تهاجم وتقصف 4 جيوش عربية على الأقل، مدمرةً معظم عتادها العسكري.
بعد قرابة 6 عقود على انتصار إسرائيل في "حرب الغفران"، احتاجت حاملة الطائرات الكبرى هذه إلى المزيد من حاملات الطائرات التي تبحر في المياه لحمايتها، بعد حرب "الطوفان". أبحرت مجموعة من حاملات الطائرات الأميركية على فترات، "يو إس إس ترومان"، "يو إس إس روزفلت"، "هاري إس ترومان"، و"أبراهام لنكولن" قاصدةً الشرق الأوسط، فضلاً عن المدمرات والقطع البحرية والطائرات المقاتلة.
يُمكن القول، إن تزاحم حاملات الطائرات الأميركية في المياه المحيطة بالمنطقة ساهم بالمبدأ، بشكل فعّال، في تثبيت قواعد اشتباك قديمة – مستحدثة، أي توازن رعب محدّث بواقع ما بعد عملية طوفان الأقصى، ودون التدحرج إلى حرب إقليمية أعربت الإدارة الأميركية مراراً عن رفضها لها. لكن حاملات الطائرات الأميركية لم تعد كافية لحماية "أكبر حاملة طائرات أميركية".
تعرضت إسرائيل لهجوم نوعي ومحدود من إيران في نيسان 2024، هو الأول في تاريخهما، رداً على قصف القنصلية الإيرانية (أرض سيادية) في دمشق، لتدخل الضربات المباشرة إلى قوائم القواعد الجديدة. واستمرت إسرائيل بزيادة اعتداءاتها مع غياب الرادع الحاسم، منفذةً سلسلة عمليات قصف واغتيال في لبنان وسوريا والعراق وإيران ذاتها، أسفرت عن قتل معظم قادة "حزب الله" وعلى رأسهم الأمين العام التاريخي للحزب حسن نصر الله، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والعديد من القادة العسكريين.
تلقت إسرائيل ضربة من إيران بالصواريخ الفرط صوتية، التي اجتازت – في العديد منها – منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، معلنةً تحدياً جديداً للتفوق الإسرائيلي الذي تقدّسه الولايات المتحدة وتعيش تحت عقيدته إسرائيل شعباً ومؤسسات. أيام فقط، وستعلن وزارة الدفاع الأميركية أنها ستنشر منظومة الدفاع "ثاد" في إسرائيل.
خمس طبقات حماية... وأكثر
تدخلت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل على مستوى منظومات الدفاع الجوي، رغم كثافة المنظومات داخل إسرائيل: القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ومنظومة السهم بثلاثة أجيال على الأرض. صُممت منظومة السهم 3 لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي، عبر صاروخ معترض (حديد ضد حديد) يعمل في الطبقات العليا، ولتغطية منطقة دفاعية أكبر، وصلت إلى 1600 كيلومتر في إحدى عمليات الاعتراض الناجحة ضد صاروخ آت من اليمن، وقد طورت إسرائيل هذه المنظومة الأعلى ارتفاعاً بدعم من الولايات المتحدة من خلال شركة "بوينغ".
طوّرت دولة الاحتلال أنظمة دفاع جوي لمواجهة التهديدات بمختلف مستوياتها، منذ العام 1968 وحتى 2023، من كيلومترين إذا انطلق الصاروخ من غزة لغلافها، وحتى ما يزيد عن ألف كيلومتر إذا جاء الخطر من إيران أو اليمن وغيرهما. ومع ذلك، زودت الولايات المتحدة إسرائيلَ ببطاريات باتريوت، ومنظومة ثاد (Terminal High-Altitude Area Defense) وهي المرة الأولى التي تدخل فيها واحدة أو اثنتين من المنظومات السبع من نوع "ثاد" إلى إسرائيل، باستثناء مرة يتيمة لأغراض التدريب فقط، قبل 5 أعوام. وتمتاز "ثاد" بالقدرة على إصابة الأهداف حتى 200 كيلو متر داخل الغلاف الجوي وخارجه على ارتفاع يصل إلى 150 كيلومتراً، مع منظومة مراقبة رادارية ترصد الصواريخ لمسافة تصل إلى 3 آلاف كيلومتر، بالتكامل مع نظام Patriot.
قد يُفهم بديهياً من وصول المنظومة الأميركية بعد القصف الإيراني والاستعداد الإسرائيلي لـ"الرد" أن المنظومات الإسرائيلية المحلية بأنواعها، ومنها المطورة أميركياً، لم تحقق نجاحاً مطمئناً يثبّت معادلة التفوق المنشودة، أو نظرية الحماية الجوهرية.
في الأثناء، وبينما تملك 10 قبب حديدية، ومنظومة "ديفيد سلينغ"، ومنظومات السهم، تعمل إسرائيل على تطوير جيل جديد من الأخيرة (Arrow System) إلى "حيتس 4" كما تطلق عليه، ليدخل الساحة في السنوات المقبلة، بهدف "مواجهة صواريخ أسرع وأكثر قدرة على المناورة وتحمل رؤوساً حربية متباينة". كما تعتزم إسرائيل الشروع بتشغيل نظام اعتراض الليزر "الشعاع الحديدي" خلال عام 2025، بقيمة تتجاوز النصف مليار دولار، وهو نظام يعتمد على استخدام الليزر لاعتراض الصواريخ والطائرات من دون طيار، بالإضافة إلى إعلان شركة إسرائيلية في صيف 2023 عزمها تطوير نظام اعتراض للصواريخ الفرط صوتية.
وكانت إسرائيل تستعد لتوقيع صفقة مع ألمانيا في تشرين الثاني 2023 لبيع منظومة دفاعية تهدف ألمانيا من خلالها إلى حماية البنى التحتية من الصواريخ الباليستية، بمبلغ 3.5 مليار دولار، وهي صفقة تاريخية من حيث الحجم، تبدأ في نهاية 2025، وتدخل التجريب بحلول 2030.
وينبغي الإشارة إلى تلقي إسرائيل فقط في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي حزمة مساعدات عسكرية جديدة من الولايات المتحدة بقيمة تصل إلى 9 مليارات دولار بعنوان "دعم المجهود العسكري الإسرائيلي"، وهو مبلغ يقارب ثلث مجموع الإنفاق العسكري الإسرائيلي في العام 2023، الذي زاد أصلاً بنسبة 24% عن 2022، استناداً إلى أرقام تقرير لمؤسسة أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم الصادر في نيسان (أبريل) الماضي.
من هذا الإنفاق والتطوير المستمر للقدرات العسكرية الدفاعية الإسرائيلية استراتيجياً، والتدخل الأميركي السريع والمتغيّر لإنقاذ التفوق مرحلياً، ومن استخدام إيران لصواريخ فرط صوتية في "الوعد الصادق2" قال وزير دفاعها إنها ليست الأكثر تطوراً والأكبر تدميرياً، وحتى التوتر في منطقة بحر الصين الجنوبي وغيرها من الأزمات التي تستدعي حضوراً عسكرياً أميركياً، يُطرح السؤال: هل ستتحول إسرائيل من أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم إلى أكبر منظومة دفاع جوي على وجه الأرض؟ - والجواب يسبق سؤال الجدوى.