عبدالله الجنيد*
أول متطلبات نجاح الرئيس ترامب في عهدته الثانية سيتطلب تجاوزه حيز شخصيته، وربما ذلك ما يفسر اختياره سوزان وايلز لمنصب كبيرة موظفي البيت الأبيض، فهي من قاد حملته الانتخابية وبحسب ما رشح من مصادر عدة، "سوزي تستطيع أن تقول لا للرئيس ترامب دون تردد". والحال تنطبق على وجود إيلون ماسك قريباً من الرئيس طوال حملته الانتخابية وتكرار المرشح الرئاسي ترامب "إيلون وأنا نعتقد" في إشارة واضحة إلى أن ماسك ليس ممولاً فقط بل حليف قد تكون له بصمته على الكثير السياسات الداخلية والخارجية للإدارة الجديدة، وخصوصاً في بعث التنافسية الأميركية اقتصادياً. لذلك قد يمثل كل من وايلز وماسك أداة كبح لشخصية ترامب النزقة والحيلولة دون التحلل التدريجي للإدارة كما حدث في عهدة ترامب الأولى.
فريق إدارته يجب أن يحتوي أشخاصاً بحجم شخصيتي وايلز وماسك برغم ما سيمثله ذلك من تحد لسيكولوجية ترامب المكيافيليه، وخصوصاً مفهومه "هو" لمقاييس الولاء، إلا أن هناك افتراضاً أن يظهر فريقه ما أظهره مهندس الملفات المعقدة مايك بومبيو من ولاء حتى آخر أيام عهدته الأولى وحتى بعدها. وذلك ما هو مناط بوايلز، أي استقرار الإدارة واستيعاب كبرياء الرئاسة في شخص الرئيس.
ترامب سيحتاج لتحقيق نجاحات داخلية وخارجية كبرى Quick Big Fixes قبل انقضاء المئة يوم الأولى من عمر إدارته، والأغلبية الجمهورية في الكونغرس ستضمن سرعة جلسات التأكيد لمرشحي الرئيس لملء الحقائب الوزارية، وتفرغهم سريعاً لتشكيل فرق العمل والانخراط الفاعل في إدارة الملفات. والملفات الخارجية ستحظى بأولوية خاصة عند الرئيس ترامب، وإن قرر نتنياهو إنهاء حروبه على الحدود الإسرائيلية وأبقى إسرائيل ضمن مفهوم "حالة الدفاع عن النفس" وأمن الإقليم باحتواء مخاطر إيران (من منظور نتنياهو)، فإنه سيبني على نجاحات أخرى مثل تحييد "حزب الله" و"حماس" في أقل من ثلاثة عشر شهراً، وإقناع إيران بعقم توسيع رقعة المواجهة إقليمياً، وإثبات أن إسرائيل قادرة على خوض حرب طويلة. إلا أن رسائل نتنياهو الاستباقية لم تقتصر على إقالة وزير دفاعه القوي غالانت، وبذلك تحييد معارضيه داخل ائتلافه الحاكم وخارجه، بل سارع بتعيين سفيره الخاص لدى واشنطن (وذلك بالتأكيد بإيعاز من وزير العلاقات الاستراتيجية رون درمر لضمان قناة اتصال سياسية آمنه).
محاور الشرق الأوسط الحرجة ستتوزع بين أمن إسرائيل من المنظور الأميركي، وما وعد به الرئيس المنتخب بتوسيع عدد الدول المنضوية تحت راية المواثيق الإبراهيمية، وبذلك يضمن أمن إسرائيل الدائم والاستقرار الإقليمي في آن واحد. إلا أن القرائن تثبت عبثية ذلك الافتراض، وسوف يتعين على الرئيس ترامب النزول من أعلى شجرة الوعود الانتخابية والتعاطي بواقعية مع المشهد الشرق أوسطي والإسلامي. فالقاهرة لم تعد دولة المركز والرياض تمتلك الثقل الإقليمي والدولي لتطوير رؤى أكثر ملاءمة واحتياجات الأمن الإقليمي.
وكذلك في ما يتعلق "بمفهوم" اليوم التالي ما بعد غزة والذي ينطبق بالتبعية على لبنان وليس جنوب لبنان فقط. لذلك سيتعين على مستشار ترامب الخاص مسعد بولس (للشؤون العربية والإسلامية) أن يعطى المساحة اللازمة لقراءة المشهد وتطوير مفهوم جديد للأمن الإقليمي انطلاقاً من الاحتواء الفاعل لإيران، وأولها استعادة لبنان لسيادته وقراره الوطني. ثانياً دعم مشاريع استعادة الاستقرار في عموم حوض الرافدين بالقضاء المبرم على كل الميليشيات الموالية لإيران. وثالثاً، إعادة إيران لداخل حدودها الطبيعية. ما تقدم سيمثل الخطوط العريضة لمنظور أمني إقليمي يجب أن يشمل اليمن، وهو قابل للتحقيق خلال عهدة ترامب الثانية إن قرر هو دعم مثل ذلك المنظور الإقليمي.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تنجح شرق أوسطياً إن استمرت في تجاهل الأولويات الإقليمية من منظور حلفائها الإقليميين، وكذلك لن تنجح إسرائيل في تحقيق الانتماء الإقليمي بضمانات أمنها الذاتية أو الأميركية. الشرق الأوسط سيفشل في تحقيق استقراره حتى لحظة تبنيه وكالته الإقليمية أمنياً وسياسياً.
*كاتب بحريني