النهار

قراءة في إعلان وقف النار… من الرابح ومن الخاسر؟
المصدر: النهار
قراءة في إعلان وقف النار… من الرابح ومن الخاسر؟
تعبيرية.
A+   A-
السفير د. هشام حمدان

لكلّ الحروب أغراضها وأهدافها. فالحروب، هي الوسيلة التي يتمّ اللجوء إليها، عندما تفشل الدبلوماسية. بدأت هذه الحرب عندما قرّر حزب الله في 8 تشرين الأوّل 2023، إطلاق أعمال عسكريّة في إطار ضغوط لدعم حرب حماس في غزّة، وذلك، تحت العنوان الدّائم: وحدة مسارات "المقاومة إسنادا لحماس".

جرت عشرات المحاولات الدبلوماسيّة لوقف هذه الأعمال العسكريّة، لكن من دون جدوى. تحوّلت غزّة إلى أرض محروقة، ودمار متراكم. وتحوّل سكانها إلى مشرّدين نازحين يفترشون العراء. قُتل الآلاف منهم وكبار قاداتهم. ولكنّ حزب الله، ومن خلفه، لم يفهموا الرسالة، فاستمر الحزب بإعماله العسكريّة.
لم تتدخّل إيران. ولم تتدخّل سورية. ولم تتحوّل وحدة السّاحات الى حرب "جهاديّة" شاملة لتحرير القدس، وفلسطين، ورمي إسرائيل في البحر. رغم ذلك، استمرّ حزب الله وبالطبع، من خلفه إيران، بقتاله.

فشلت الدبلوماسيّة، فتحوّلت إسرائيل نحو لبنان، وأطلقت آلتها العسكريّة، تبعث الدّمار والخراب فيه، كما فعلت في غزّة. قتل وتشرّد المئات والألوف من المدنيّين. قتل قائد "محور المحور"، وعدد كبير من رفاقه. لم تتدخّل إيران. استمرّت الحرب. 

جرت الانتخابات الأميركيّة. وبات يفصل بين الرئيس المنتخب ترامب، المعروف بعدائه لإيران، والسلطة، أقلّ من شهرين. هنا، رفع الحزب العلم الأبيض، وقبل بشروط وقف إطلاق النّار. لماذا الآن؟

لا نعتقد أن آلام اللبنانيّين، ومعاناتهم، دفعته، ودفعت إيران إلى الاستسلام. لم تكن بيئة الحزب ضاغطة عليهما كي يقبلا بهذا الانهزام. ها نحن نرى كيف خرج أهل بيئته بعد إعلان وقف النّار، رافعين أعلام الحزب، وشارات النصر بعد كلّ ما حصل. كما أنّ إسرائيل لم تتراجع عن مواقفها، بل نالت كل ما تريده. لذلك، نعتقد أنّ إيران منحت الإدارة الديمقراطيّة، ما كانت سترغم على منحه لاحقا، لإدارة ترامب. فلطالما وقفت الإدارة الديمقراطيّة إلى جانب التسويات مع إيران، لضبط  دور الحزب العسكري. لم يعد هذا الدور، مفيدا لمشروع برنامجها النووي، بل سيتحوّل إلى عائق أمام تسوية بهذا الصدد، مع إدارة ترامب. 

ربحت إسرائيل الحرب، وخسرها حزب الله وإيران. خسارة حزب الله عسكريّا، هي خسارة لكلّ محور "المقاومة"، ولاسيّما إيران، وكذلك لكلّ حلفاء وأنصار هذا المحور. لكن يمكن لقائل أن يقول، إنّ ما يسمّى "أذرع محور المقاومة"، هي التي فشلت من تحقيق أهداف المحور المعلنة وغير المعلنة، وإنّ دول المحور، يمكن أن تتحرّك مباشرة لاستكمال "مقاومتها". وربما لذلك، قال نتنياهو إنّه سيتفرّغ الآن لمواجهة إيران، كما أنّه حذّر الرّئيس الأسد من اللعب بالنّار. 

نحن لا نتوقّع أن تقوم إيران بحمل لواء الصراع العسكري مباشرة، فهي ستدفع فاتورة غالية جدّا إن فعلت. نعتقد أنّها تريد أن تقيم حالة تسمح لها بالتعامل مع الإدارة الأميركيّة القادمة، في إطار المصالح المتبادلة. كما نعتقد أنّ نتائج هذه الحرب، ستزيد من عزيمة واندفاعة الأسد للخروج من محور المقاومة نهائيّا، والإنضمام كليّا إلى الشروط العربية لصناعة السّلام. نعتقد أنّ رحلة ما كان يسمّى بجبهة التصدّي والصمود، وجبهة الرفض، والربيع العربي، قد انتهت. وبدأت مرحلة تنظيف الأرض من بقايا هؤلاء، وسيتمّ ذلك عاجلا أم آجلا. ستترك نتائج هذه الحرب مفاعيل إقليميّة ودوليّة في غاية الأهمّيّة. هذه النتائج ستقيم الشرق الأوسط الجديد. 

في خضمّ كل ذلك، يبدو لبنان الوطن، هو الرابح الأكبر من هذه الحرب. كل سكان لبنان من كلّ الطّوائف، والمناطق، والمذاهب، والتّوجهات، ربحوا العودة إلى حضن الوطن. فكما قال الرّئيس بايدن، فإنّ اتّفاق وقف النّار، يعيد السيادة إلى لبنان. انتهت مرحلة سلب السيادة التي استمرت لأكثر من خمسين سنة. عاد قرار السلم والحرب إلى الدولة. عاد الجيش الضمانة لأمن وسلامة لبنان. رضوخ حزب الله لشرط سحب قوّاته، وتفكيك آلته العسكريّة جنوب الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني، ينهي قدرته المطلقة على صناعة قرار الحرب والسلم في عمليّة العلاقات مع إسرائيل. 

كنّا نتمنى أن يتم توقيع اتفاق وقف النار تحت عنوان تنفيذ اتفاق الهدنة، وذلك لعدّة أسباب أهمّها أنّه بعد انتهاء دور قوى الأمر الواقع، سيكون على الحكومة التّعاطي مع مرحلة ما بعد عودة سيادة الدولة، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل. إسرائيل تطالب باتفاق مع لبنان، غير القرار 1701. القرار 1701، ليس اتّفاقا، بل قرارا لمجلس الأمن يسوّي حالة ظرفية. وقد التزم الأطراف بتنفيذه، لتسوية تلك الحالة. أمّا العلاقات بين البلدين، فتخضع إلى اتّفاق الهدنة لعام 1949، ألذي هو بمثابة معاهدة دوليّة بينهما. 

نصّ اتفاق وقف النار على قيام الولايات المتحدة برعاية مفاوضات غير مباشرة، "لترسيم الحدود البرّيّة بين لبنان وإسرائيل". وكرّر وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب هذا التّعبير، في أوّل تعليق له على اتفاق وقف النار. كتبنا إلى الوزير، نطالبه بأن يبدّل لغته فيقول "إعادة إظهار الحدود المعترف بها دوليّا منذ اتّفاق الهدنة عام 1949". لا يجب القول "ترسيم الحدود". على لبنان أن يطالب بالعودة إلى اتفاق الهدنة، وإنّ ما يربطه بإسرائيل هو اتّفاق الهدنة الذي ما زال ساريا. كما أنّ العودة إلى اتّفاق الهدنة مع إسرائيل، هو غرض منشود من كل القرارات التي اتخذتها الأمم المتّحدة بشأن لبنان، طوال السّنوات الماضية، ومن بينها القرار 1701.  ولا حاجة لذلك، لاتفاق جديد.

كان من الضروريّ أن تعلن الحكومة، أنّ لبنان ضحية مسلوب السيادة بفعل القوة والإكراه والعدوان، وآخره العدوان الإيراني. وأنّه لم يكن جزءا من الحرب. فالتأكيد المستمر لرئيس الحكومة، ووزير خارجيته، على القرار 1701، وعدم الحديث عن اتفاق الهدنة، جعل المعلّقين في كل أنحاء العالم، بما في ذلك في المحطات العربية، يصفون الحرب بأنّها حرب بين لبنان وإسرائيل. هذا لا يسهّل انزلاق لبنان في عملية التخلّي عن اتفاق الهدنة، والإنخراط في عملية مشابهة لما حدث عند ترسيم الحدود البحريّة، بل يرمي على لبنان وزر الكلفة لكل ما جرى من دمار وخراب. ولا عجب لذلك، إذا طالبت إسرائيل بتعويضات من لبنان، لا سيّما أنّ حزب الله هو الذي بدأها. كما أنّه لا شيء يمنع دولة عضو في المحكمة الجنائيّة الدوليّة من مداعاة المسؤولين أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة بتهمة ارتكاب العدوان. ففي القانون الدّولي من يبدأ الهجوم، هو الذي يرتكب العدوان. 

يحتاج أحرار لبنان، إلى جهد كبير لتوضيح هذه الصورة أمام الرأي العام العربيّ، والدولي أيضا. ولا بدّ من انتخاب رئيس جديد للبلاد، يفسح أمام تبديل هذه الحكومة، وأيضا المجلس النيابي، وإعادة النظر بتكوين السلطة ولا سيّما القضاء، لضمان استقلاليته فعليّا. هناك في القرار 1701، نص بوجوب التطبيق الكامل لإتفاق الطائف. هذا يشمل موجب سحب سلاح حزب الله وتفكيك بنيته العسكرية، إضافة إلى مجموعة هامة من الإصلاحات في النظام السياسي والقانوني للبلاد. نحن ندعو أن يتم الإستفادة من برنامج الأمم المتحدة تحت عنوان بناء السّلام بعد الحرب، للدفع قدما ببرنامج وطني لهذا الغرض. 

اقرأ في النهار Premium